الاستئصال ، وهو استئصال السيف. وإنّما اختار الله أن يكون استئصالهم بالسيف إظهارا لكون نصر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عليهم كان بيده ويد المصدّقين به. وذلك أوقع على العرب ، ولذلك روعي حال المقصودين بالإنذار وهم حاضرون. فنزّل جميع الأمم منزلتهم ، فقال : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) ، فإنّ (لو لا) هنا حرف توبيخ لدخولها على جملة فعلية ماضوية واحدة ، فليست (لو لا) حرف امتناع لوجود.
والتوبيخ إنّما يليق بالحاضرين دون المنقرضين لفوات المقصود. ففي هذا التنزيل إيماء إلى مساواة الحالين وتوبيخ للحاضرين بالمهمّ من العبرة لبقاء زمن التدارك قطعا لمعذرهم.
ويجوز أن تجعل (لو لا) هنا للتّمنّي على طريقة المجاز المرسل ، ويكون التّمنّي كناية عن الإخبار بمحبّة الله الأمر المتمنّى فيكون من بناء المجاز على المجاز ، فتكون هذه المحبّة هي ما عبّر عنه بالفرح في الحديث «الله أفرح بتوبة عبده» الحديث. وتقديم الظرف المضاف مع جملته على عامله في قوله (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) (تَضَرَّعُوا) للاهتمام بمضمون جملته ، وأنّه زمن يحقّ أن يكون باعثا على الإسراع بالتضرّع ممّا حصل فيه من البأس.
والبأس تقدّم عند قوله تعالى : (وَحِينَ الْبَأْسِ) في سورة البقرة [١٧٧]. والمراد به هنا الشدّة على العدوّ وغلبته. ومجيء البأس : مجيء أثره ، فإنّ ما أصابهم من البأساء والضرّاء أثر من آثار قوّة قدرة الله تعالى وغلبه عليهم. والمجيء مستعار للحدوث والحصول بعد أن لم يكن تشبيها لحدوث الشيء بوصول القادم من مكان آخر بتنقّل الخطوات.
ولمّا دلّ التوبيخ أو التمنّي على انتفاء وقوع الشيء عطف عليه ب (لكن) عطفا على معنى الكلام ، لأنّ التضرّع ينشأ عن لين القلب فكان نفيه المفاد بحرف التوبيخ ناشئا عن ضدّ اللين وهو القساوة ، فعطف ب (لكِنْ).
والمعنى : ولكن اعتراهم ما في خلقتهم من المكابرة وعدم الرجوع عن الباطل كأنّ قلوبهم لا تتأثّر فشبّهت بالشيء القاسي. والقسوة : الصلابة.
وقد وجد الشيطان من طباعهم عونا على نفث مراده فيهم فحسّن لهم تلك القساوة وأغراهم بالاستمرار على آثامهم وأعمالهم. ومن هنا يظهر أنّ الضلال ينشأ عن استعداد الله في خلقة النفس.