قبل هذه الآية ليس فيه تحريم الميتة والدّم ولحم الخنزير وإنّما نزل القرآن بتحريم ما ذكر في هذه الآية ثمّ في سورة المائدة.
والطاعم : الآكل ، يقال : طعم كعلم ، إذا أكل الطّعام ، ولا يقال ذلك للشّارب ، وأمّا طعم بمعنى ذاق فيستعمل في ذوق المطعومات والمشروبات ، وأكثر استعماله في النّفي ، وتقدّم بيانه عند قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) في سورة البقرة [٢٤٩] ، وبذلك تكون الآية قاصرة على بيان محرّم المأكولات.
وقوله : (يَطْعَمُهُ) صفة ل (طاعِمٍ) وهي صفة مؤكّدة مثل قوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨].
والاستثناء من عموم الأكوان الّتي دلّ عليها وقوع النّكرة في سياق النّفي. أي لا أجد كائنا محرّما إلّا كونه ميتة إلخ أي : إلّا الكائن ميتة إلخ ، فالاستثناء متّصل.
والحصر المستفاد من النّفي والاستثناء حقيقي بحسب وقت نزول هذه الآية. فلم يكن يومئذ من محرّمات الأكل غير هذه المذكورات لأنّ الآية مكّيّة ثمّ نزلت سورة المائدة بالمدينة فزيد في المحرمات كما يأتي قريبا.
والمسفوح : المصبوب السائل ، وهو ما يخرج من المذبح والمنحر. أو من الفصد في بعض عروق الأعضاء فيسيل. وقد كان العرب يأكلون الدّم الّذي يسيل من أوداج الذّبيحة أو من منحر المنحورة ويجمعونه في مصير أو جلد ويجفّفونه ثمّ يشوونه ، وربّما فصدوا من قوائم الإبل مفصدا فأخذوا ما يحتاجون من الدّم بدون أن يهلك البعير ، وربّما خلطوا الدّم بالوبر ويسمّونه (العلهز) ، وذلك في المجاعات. وتقييد الدّم بالمسفوح للتّنبيه على العفو عن الدّم الّذي ينزّ من عروق اللّحم عند طبخه فإنّه لا يمكن الاحتراز عنه.
وقوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) جملة معترضة بين المعطوفات ، والضّمير قيل : عائد إلى لحم الخنزير ، والأظهر أن يعود إلى جميع ما قبله ، وأنّ افراد الضّمير على تأويله بالمذكور ، أي فإنّ المذكور رجس ، كما يفرد اسم الإشارة مثل قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨].
والرّجس : الخبيث والقذر. وقد مضى بيانه عند قوله تعالى : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) في هذه السورة [١٢٥].
فإن كان الضّمير عائدا إلى لحم الخنزير خاصّة فوصفه برجس تنبيه على ذمّه. وهو