ذمّ زائد على التّحريم ، فوصفه به تحذير من تناوله. وتأنيس للمسلمين بتحريمه ، لأنّ معظم العرب كانوا يأكلون لحم الخنزير بخلاف الميتة والدّم فما يأكلونها إلّا في الخصاصة. وخباثة الخنزير علمها الله تعالى الّذي خلقه. وتبيّن أخيرا أنّ لحمه يشتمل على ذرّات حيوانية مضرّة لآكله أثبتها علم الحيوان وعلم الطبّ. وقيل : أريد أنّه نجس لأنّه يأكل النّجاسات وهذا لا يستقيم لأنّ بعض الدّواب تأكل النّجاسة وتسمّى الجلّالة وليست محرّمة الأكل في صحيح أقوال العلماء.
وإن كان الضّمير عائدا إلى الثلاثة بتأويل المذكور كان قوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) تنبيها على علّة التّحريم وأنّها لدفع مفسدة تحصل من أكل هذه الأشياء. وهي مفسدة بدنيّة. فأمّا الميتة فلما يتحوّل إليه جسم الحيوان بعد الموت من التعفّن ، ولأنّ المرض الّذي كان سبب موته قد ينتقل إلى آكله. وأمّا الدّم فلأنّ فيه أجزاء مضرّة. ولأنّ شربه يورث ضراوة.
والفسق : الخروج عن شيء. وهو حقيقة شرعية في الخروج عن الإيمان ، أو عن الطّاعة الشّرعية ، فلذلك يوصف به الفعل الحرام باعتبار كونه سببا لفسق صاحبه عن الطّاعة. وقد سمّى القرآن ما أهلّ به لغير الله فسقا في الآية السالفة وفي هذه الآية ، فصار وصفا مشهورا لمّا أهلّ به لغير الله ، ولذلك أتبعه بقوله : (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ). فتكون جملة : (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) صفة أو بيانا ل (فِسْقاً) ، وفي هذا تنبيه على أنّ تحريم ما أهلّ لغير الله به ليس لأنّ لحمه مضرّ بل لأنّ ذلك كفر بالله.
وقد دلّت الآية على انحصار المحرّمات من الحيوان في هذه الأربعة ، وذلك الانحصار بحسب ما كان محرّما يوم نزول هذه الآية ، فإنّه لم يحرّم بمكّة غيرها من لحم الحيوان الّذي يأكلونه ، وهذه السّورة مكّيّة كلّها على الصّحيح ، ثمّ حرّم بالمدينة أشياء أخرى ، وهي : المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وأكيلة السّبع بآية سورة العقود [٣]. وحرّم لحم الحمر الإنسيّة بأمر النّبيء صلىاللهعليهوسلم على اختلاف بين العلماء في أنّ تحريمه لذاته كالخنزير ، أو لكونها يومئذ حمولة جيش خيبر ، وفي أنّ تحريمه عند القائلين بأنّه لذاته مستمرّ أو منسوخ ، والمسألة ليست من غرض التّفسير فلا حاجة بنا إلى ما تكلّفوه من تأويل حصر هذه الآية المحرّمات في الأربعة. وكذلك مسألة تحريم لحم كلّ ذي ناب من السّباع ولحم سباع الطّير وقد بسطها القرطبي وتقدّم معنى : (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) في تفسير سورة المائدة [٣].
وقرأ الجمهور : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) ـ بياء تحتيّة ونصب (مَيْتَةً) وما عطف عليها ـ