وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة ـ بتاء فوقيّة ونصب (مَيْتَةً) وما عطف عليه ـ عند من عدا ابن عامر. وقرأه ابن عامر وأبو جعفر ـ بتاء فوقيّة ورفع (مَيْتَةً) ـ ويشكل على هذه القراءة أنّ المعطوف على ميتة منصوبات وهي : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ). ولم يعرّج عليها صاحب «الكشاف» ، وقد خرّجت هذه القراءة على أن يكون : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) عطفا على (أَنْ) وصلتها لأنّه محلّ نصب بالاستثناء فالتّقدير : إلّا وجود ميتة ، فلمّا عبّر عن الوجود بفعل (يَكُونَ) التّامّ ارتفع ما كان مضافا إليه.
وقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) تقدّم القول في نظيره في سورة البقرة [١٧٣] في قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ).
وإنّما جاء المسند إليه في جملة الجزاء وهو (رَبَّكَ) معرّفا بالإضافة دون العلميّة كما في آية سورة البقرة [١٩٢] : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لما يؤذّن به لفظ الربّ من الرأفة واللّطف بالمربوب والولاية ، تنبيها على أنّ الله جعل هذه الرّخصة للمسلمين الّذين عبدوه ولم يشركوا به ، وأنّه أعرض عن المشركين الّذين أشركوا معه غيره لأنّ الإضافة تشعر بالاختصاص ، لأنّها على تقدير لام الاختصاص ، فلمّا عبر عن الغفور تعالى بأنّه ربّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام علم أنّه ربّ الّذين اتّبعوه ، وأنّه ليس ربّ المشركين باعتبار ما في معنى الربّ من الولاية ، فهو في معنى قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] أي لا مولى يعاملهم بآثار الولاية وشعارها ، ذلك لأنّ هذه الآية وقعت في سياق حجاج المشركين بخلاف آية البقرة [١٧٢] فإنّها مفتتحة بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ).
والإخبار بأنّه غفور رحيم ، مع كون ذلك معلوما من مواضع كثيرة ، هو هنا كناية عن الإذن في تناول تلك المحرّمات عند الاضطرار ورفع حرج التّحريم عنها حينئذ فهو في معنى قوله في سورة البقرة [١٨٢] : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦))
جملة : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) عطف على جملة : (قُلْ) [الأنعام : ١٤٥] عطف