يَعْدِلُونَ) في أوّل هذه السورة [١].
(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١))
استئناف ابتدائي للانتقال من إبطال تحريم ما ادّعوا تحريمه من لحوم الأنعام ، إلى دعوتهم لمعرفة المحرّمات ، التي علمها حقّ وهو أحقّ بأن يعلموه ممّا اختلقوا من افترائهم وموّهوا بجدلهم. والمناسبة لهذا الانتقال ظاهرة فالمقام مقام تعليم وإرشاد ، ولذلك ابتدئ بأمر الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بفعل القول استرعاء للأسماع كما تقدّم آنفا.
وعقّب بفعل : (تَعالَوْا) اهتماما بالغرض المنتقل إليه بأنّه أجدى عليهم من تلك السّفاسف التي اهتمّوا بها وهذا على أسلوب قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ١٧٧] الآيات. وقوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٩] الآية ، ليعلموا البون بين ما يدعون إليه قومهم وبين ما يدعوهم إليه الإسلام ، من جلائل الأعمال ، فيعلموا أنّهم قد أضاعوا أزمانهم وأذهانهم.
وافتتاحه بطلب الحضور دليل على أنّ الخطاب للمشركين الذين كانوا في إعراض. وقد تلا عليهم أحكاما قد كانوا جارين على خلافها ممّا أفسد حالهم في جاهليتهم ، وفي ذلك تسجيل عليهم بسوء أعمالهم ممّا يؤخذ من النّهي عنها والأمر بضدّها.
وقد انقسمت الأحكام التي تضمّنتها هذه الجمل المتعاطفة في الآيات الثّلاث المفتتحة بقوله : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى ثلاثة أقسام :
الأوّل : أحكام بها إصلاح الحالة الاجتماعية العامّة بين النّاس وهو ما افتتح بقوله : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً).
الثّاني : ما به حفظ نظام تعامل النّاس بعضهم مع بعض وهو المفتتح بقوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) [الأنعام : ١٥٢].
الثّالث : أصل كلي جامع لجميع الهدى وهو اتّباع طريق الإسلام والتّحرّز من