القرآن ، وقتل من يقتل من مانعي الزّكاة وهو بإجماع الصّحابة ، وأمّا الجهاد فغير داخل في قوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) ، ولكنّ قتل الأسير في الجهاد إذا كان لمصلحة كان حقّا ، وقد فصلنا الكلام على نظير هذه الآية في سورة الإسراء.
والإشارة بقوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) إلى مجموع ما ذكر ، ولذلك أفرد اسم الإشارة باعتبار المذكور ، ولو أتى بإشارة الجمع لكان ذلك فصيحا ، ومنه : (كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٦].
وتقدّم معنى الوصاية عند قوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) [الأنعام : ١٤٤] آنفا.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) رجاء أن يعقلوا ، أي يصيروا ذوي عقول لأنّ ملابسة بعض هذه المحرّمات ينبئ عن خساسة عقل ، بحيث ينزّل ملابسوها منزلة من لا يعقل ، فلذلك رجي أن يعقلوا.
وقوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) تذييل جعل نهاية للآية ، فأومأ إلى تنهية نوع من المحرّمات وهو المحرّمات الرّاجع تحريمها إلى إصلاح الحالة الاجتماعيّة للأمّة ، بإصلاح الاعتقاد ، وحفظ نظام العائلة والانكفاف عن المفاسد ، وحفظ النّوع بترك التّقاتل.
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢))
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ).
عطف جملة : (وَلا تَقْرَبُوا) على الجملة التي فسّرت فعل : (أَتْلُ) [الأنعام : ١٥١] عطف محرّمات ترجع إلى حفظ قواعد التّعامل بين النّاس لإقامة قواعد الجامعة الإسلاميّة ومدنيتها وتحقيق ثقة النّاس بعضهم ببعض.
وابتدأها بحفظ حقّ الضّعيف الذي لا يستطيع الدّفع عن حقّه في ماله ، وهو اليتيم ، فقال : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والقربان كناية عن ملابسة مال اليتيم. والتّصرّف فيه كما تقدّم آنفا في قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) [الأنعام : ١٥١]. ولمّا اقتضى هذا تحريم التصرّف في مال اليتيم ، ولو بالخزن والحفظ ، وذلك يعرّض ماله للتّلف ،