يبلغ صاحبه أشدّه أي فيسلم إليه ، كما قال تعالى في الآية الأخرى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) [النساء : ٦] الآية.
ووجه تخصيص حقّ اليتيم في ماله بالحفظ : أنّ ذلك الحقّ مظنّة الاعتداء عليه من الولي ، وهو مظنة انعدام المدافع عنه ، لأنّه ما من ضعيف عندهم إلّا وله من الأقارب والموالي من يدفع عنه إذا استجاره أو استنجده ، فأمّا اليتيم فإنّ الاعتداء عليه إنّما يكون من أقرب النّاس إليه ، وهو وليّه ، لأنّه لم يكن يلي اليتيم عندهم إلّا أقرب النّاس إليه ، وكان الأولياء يتوسّعون في أموال أيتامهم ، ويعتدون عليها ، ويضيعون الأيتام لكيلا ينشئوا نشأة يعرفون بها حقوقهم ، ولذلك قال تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) [الضحى : ٦] لأنّ اليتيم مظنّة الإضاعة فلذلك لم يوص الله تعالى بمال غير اليتيم ، لأنّ صاحبه يدفع عن نفسه ، أو يستدفع بأوليائه ومنجديه.
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ).
عطف الأمر بإيفاء الكيل والميزان ، وذلك في التّبايع ، فقد كانوا يبيعون التّمر والزّبيب كيلا ، وكانوا يتوازنون الذّهب والفضّة ، فكانوا يطفّفون حرصا على الرّبح ، فلذلك أمرهم بالوفاء. وعدل عن أن يأتي فيه بالنّهي عن التّطفيف كما في قول شعيب : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) [هود : ٨٤] إشارة إلى أنّهم مأمورون بالحدّ الذي يتحقّق فيه العدل وافيا ، وعدم النّقص يساوي الوفاء ، ولكن في اختيار الأمر بالإيفاء اهتماما به لتكون النّفوس ملتفتة إلى جانب الوفاء لا إلى جانب ترك التّنقيص ، وفيه تذكير لهم بالسّخاء الذي يتمادحون به كأنّه قيل لهم : أين سخاؤكم الذي تتنافسون فيه فهلا تظهرونه إذا كلتم أو وزنتم فتزيدوا على العدل بأن توفّروا للمكتال كرما بله أن تسرقوه حقّه. وهذا تنبيه لهم على اختلال أخلاقهم وعدم توازنها.
والباء في قوله : (بِالْقِسْطِ) للملابسة والقسط العدل ، وتقدّم عند قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) في سورة آل عمران [١٨] ، أي أوفوا متلبّسين بالعدل بأن لا تظلموا المكتال حقّه.
(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
ظاهر تعقيب جملة : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ) إلخ بجملة : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أنّها متعلّقة بالتي وليتها فتكون احتراسا ، أي لا نكلّفكم تمام القسط في الكيل والميزان بالحبّة