جملة : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) عطف على جملة : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) [الأنعام : ١٥٤]. والمعنى : آتينا موسى الكتاب وأنزلنا هذا الكتاب كما تقدّم عند قوله تعالى : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) [الأنعام : ١٥٤] إلخ ...
وافتتاح الجملة باسم الإشارة ، وبناء الفعل عليه ، وجعل الكتاب الذي حقّه أن يكون مفعول : (أَنْزَلْناهُ) مبتدأ ، كلّ ذلك للاهتمام بالكتاب والتّنويه به ، وقد تقدّم نظيره : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) في هذه السّورة [٩٢].
وتفريع الأمر باتباعه على كونه منزلا من الله ، وكونه مباركا ، ظاهر : لأنّ ما كان كذلك لا يتردّد أحد في اتّباعه.
والاتّباع أطلق على العمل بما فيه على سبيل المجاز. وقد مضى الكلام فيه عند قوله تعالى : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [الأنعام : ٥٠] ، وقوله : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في هذه السّورة [١٠٦].
والخطاب في قوله : (فَاتَّبِعُوهُ) للمشركين ، بقرينة قوله : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا).
وجملة : (أَنْزَلْناهُ) في محلّ الصّفة ل (كِتابٌ) ، و (مبارك) صفة ثانية ، وهما المقصد من الإخبار ، لأنّ كونه كتابا لا مرية فيه ، وإنّما امتروا في كونه منزّلا من عند الله ، وفي كونه مباركا. وحسن عطف : (مُبارَكٌ) على : (أَنْزَلْناهُ) لأنّ اسم المفعول ـ لاشتقاقه ـ هو في قوّة الفعل. ومعنى : (اتَّقُوا) كونوا متّصفين بالتّقوى وهي الأخذ بدين الحقّ والعمل به. وفي قوله : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وعد على اتّباعه وتعريض بالوعيد بعذاب الدّنيا والآخرة إن لم يتّبعوه.
وقوله : (أَنْ تَقُولُوا) في موضع التّعليل لفعل (أَنْزَلْناهُ) على تقدير لام التّعليل محذوفة على ما هو معروف من حذفها مع (أن). والتّقدير : لأن تقولوا ، أي لقولكم ذلك في المستقبل ، أي لملاحظة قولكم وتوقّع وقوعه ، فالقول باعث على إنزال الكتاب.
والمقام يدلّ على أنّ هذا القول كان باعثا على إنزال هذا الكتاب ، والعلّة الباعثة على شيء لا يلزم أن تكون علّة غائية ، فهذا المعنى في اللّام عكس معنى لام العاقبة ، ويؤول المعنى إلى أنّ إنزال الكتاب فيه حكم منها حكمة قطع معذرتهم بأنّهم لم ينزّل إليهم كتاب ، أو كراهية أن يقولوا ذلك ، أو لتجنّب أن يقولوه ، وذلك بمعونة المقام إيثارا