(كذا) مفتوح للتّوبة لا يغلق حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ، قال التّرمذي : حديث صحيح.
واعلم أنّ هذه الآية لا تعارض آية سورة النّساء [١٨] : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) : لأنّ محمل تلك الآية على تعيين وقت فوات التّوبة بالنّسبة للأحوال الخاصّة بآحاد النّاس ، وذلك ما فسّر في حديث ابن عمر : أنّ رسول الله صلى الله وعليه وسلّم قال : «إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» رواه التّرمذي ، وابن ماجه ، وأحمد. (ومعنى يغرغر أن تبلغ روحه ـ أي أنفاسه ـ رأس حلقه). ومحمل الآية التي نتكلّم فيها تعيين وقت فوات التّوبة بالنّسبة إلى النّاس كافة ، وهي حالة يأس النّاس كلّهم من البقاء.
وجاء الاستئناف بقوله : (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) أمرا للرّسولصلىاللهعليهوسلم بأن يهدّدهم ويتوعّدهم على الانتظار ، إن كان واقعا منهم ، أو على التريّث والتّأخّر عن الدّخول في الإسلام الذي هو شبيه بالانتظار إن كان الانتظار ادّعائيا ، بأن يأمرهم بالدّوام على حالهم التي عبّر عنها بالانتظار أمر تهديد ، ويخبرهم بأنّ المسلمين ينتظرون نصر الله ونزول العقاب بأعدائهم ، أي : دوموا على انتظاركم فنحن منتظرون.
وفي مفهوم الصّفتين دلالة على أنّ النّفس التي آمنت قبل مجيء الحساب ، وكسبت في إيمانها خيرا ، ينفعها إيمانها وعملها. فاشتملت الآية بمنطوقها ومفهومها على وعيد ووعد مجملين تبيّنهما دلائل الكتاب والسنّة.
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩))
استئناف جاء عقب الوعيد كالنّتيجة والفذلكة ، لأنّ الله لما قال لرسولهصلىاللهعليهوسلم : (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) [الأنعام : ١٥٨] أعقب ذلك بأنّ الفريقين متباينان متجافيان في مدّة الانتظار.
وجيء بالموصوليّة لتعريف المسند إليه لإفادة تحقّق معنى الصّلة فيهم ، لأنّها تناسب التّنفير من الاتّصال بهم ، لأنّ شأن الدّين أن يكون عقيدة واحدة وأعمالا واحدة ، والتّفرّق في أصوله ينافي وحدته ، ولذلك لم يزل علماء الإسلام يبذلون وسعهم لاستنباط مراد الله من الأمّة ، ويعلمون أنّ الحقّ واحد وأنّ الله كلّف العلماء بإصابته وجعل للمصيب أجرين