لمعنى المتاركة.
(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
(ثُمَ) للتّرتيب الرّتبي. وهذا الكلام يحتمل أن يكون من جملة القول المأمور به فيكون تعقيبا للمتاركة بما فيه تهديدهم ووعيدهم ، فكان موقع (ثُمَ) لأنّ هذا الخبر أهمّ. فالخطاب في قوله : (إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) خطاب للمشركين وكذلك الضّميران في قوله : (بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) والمعنى : بما كنتم فيه تختلفون مع المسلمين ، لأنّ الاختلاف واقع بينهم وبين المسلمين ، وليس بين المشركين في أنفسهم اختلاف. فأدمج الوعيد بالوعيد. وقد جعلوا هذه الجملة مع التي قبلها آية واحدة في المصاحف.
ويحتمل أن يكون المقول قد انتهى عند قوله : (وِزْرَ أُخْرى) فيكون قوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) استئناف كلام من الله تعالى خطابا للنّبي صلىاللهعليهوسلم وللمعاندين له. و (ثمّ) صالحة للاستئناف لأنّ الاستئناف ملائم للتّرتيب الرّتبي ، والكلام وعيد ووعد أيضا. ولا ينافي ذلك أن تكون مع التي قبلها آية واحدة.
والتّنبئة : الإخبار ، والمراد بها إظهار آثار الإيمان والكفر واضحة يوم الحساب ، فيعلموا أنّهم كانوا ضالّين ، فشبّه ذلك العلم بأنّ الله أخبرهم بذلك يومئذ وإلّا فإنّ الله نبأهم بما اختلفوا فيه من زمن الحياة الدّنيا ، أو المراد ينبّئكم مباشرة بدون واسطة الرّسل إنباء لا يستطيع الكافر أن يقول : هذا كذب على الله ، كما ورد في حديث الحشر : «فيسمعهم الدّاعي ليس بينهم وبين الله حجاب».
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))
يظهر أنّ هذا دليل على إمكان البعث ، وعلى وقوعه ، لأنّ الذي جعل بعض الأجيال خلائف لما سبقها ، فعمروا الأرض جيلا بعد جيل ، لا يعجزه أن يحشرها جميعا بعد انقضاء عالم حياتها الأولى. ثمّ إنّ الذي دبّر ذلك وأتقنه لا يليق به أن لا يقيم بينهم ميزان الجزاء على ما صنعوا في الحياة الأولى لئلا يذهب المعتدون والظّالمون فائزين بما جنوا ، وإذا كان يقيم ميزان الجزاء على الظّالمين فكيف يترك إثابة المحسنين ، وقد أشار إلى الشقّ الأول قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) ، وأشار إلى الشقّ الثّاني قوله : (وَرَفَعَ