والعليم أعمّ ، أي : العليم بأحوال الخلق ، والعليم بمواقع كلماته ، ومحالّ تمامها ، والمنظم بحكمته لتمامها ، والموقت لآجال وقوعها.
فذكر هاتين الصّفتين هنا : وعيد لمن شملته آيات الذمّ السابقة ، ووعد لمن أمر بالإعراض عنهم وعن افترائهم ، وبالتحاكم معهم إلى الله ، والّذين يعلمون أنّ الله أنزل كتابه بالحقّ.
(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦))
أعقب ذكر عناد المشركين ، وعداوتهم للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وولايتهم للشّياطين ، ورضاهم بما توسوس لهم شياطين الجنّ والإنس ، واقترافهم السيّئات طاعة لأوليائهم ، وما طمأن به قلب الرّسول صلىاللهعليهوسلم من أنّه لقي سنّة الأنبياء قبله من آثار عداوة شياطين الإنس والجنّ ، بذكر ما يهون على الرّسول صلىاللهعليهوسلم والمسلمين ما يرونه من كثرة المشركين وعزّتهم ، ومن قلّة المسلمين وضعفهم ، مع تحذيرهم من الثّقة بقولهم ، والإرشاد إلى مخالفتهم في سائر أحوالهم ، وعدم الإصغاء إلى رأيهم ، لأنّهم يضلّون عن سبيل الله ، وأمرهم بأن يلزموا ما يرشدهم الله إليه. فجملة : (وَإِنْ تُطِعْ) متّصلة بجملة : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِ) نبيء (عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] وبجملة : (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) [الأنعام : ١١٤] وما بعدها إلى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنعام : ١١٥].
والخطاب للنّبي صلىاللهعليهوسلم ، والمقصود به المسلمون مثل قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥].
وجيء مع فعل الشّرط بحرف (إن) الّذي الأصل فيه أن يكون في الشّرط النّادر الوقوع ، أو الممتنع إذا كان ذكره على سبيل الفرض كما يفرض المحال ، والظاهر أنّ المشركين لمّا أيسوا من ارتداد المسلمين ، كما أنبأ بذلك قوله تعالى : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) [الأنعام : ٧١] الآية ، جعلوا يلقون على المسلمين الشبه والشكوك في أحكام دينهم ، كما أشار إليه قوله تعالى عقب هذا : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١]. وقد روى الطّبري عن ابن عبّاس ، وعكرمة : أنّ المشركين قالوا : «يا محمّد أخبرنا عن الشّاة إذا ماتت من قتلها (يريدون أكل الشّاة إذا ماتت حتف أنفها دون ذبح) ـ قال ـ الله قتلها ـ فتزعم أنّ ما