وأديانا سخيفة ، ظنّوها حقّا لأنّهم لم يستفرغوا مقدرة عقولهم في ترسّم أدلّة الحقّ فقال : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ).
والاتّباع : مجاز في قبول الفكر لما يقال وما يخطر للفكر : من الآراء والأدلّة وتقلّد ذلك. فهذا أتمّ معنى الاتّباع ، على أنّ الاتّباع يطلق على عمل المرء برأيه كأنّه يتبعه.
والظنّ ، في اصطلاح القرآن ، هو الاعتقاد المخطئ عن غير دليل ، الّذي يحسبه صاحبه حقّا وصحيحا ، قال تعالى : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [يونس : ٣٦] ومنه قول النّبي صلىاللهعليهوسلم : «إيّاكم والظّنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث» وليس هو الظنّ الّذي اصطلح عليه فقهاؤنا في الأمور التّشريعية ، فإنّهم أرادوا به العلم الرّاجح في النّظر ، مع احتمال الخطأ احتمالا مرجوحا ، لتعسّر اليقين في الأدلّة التّكليفيّة ، لأنّ اليقين فيها : إن كان اليقين المراد للحكماء ، فهو متوقّف على الدّليل المنتهي إلى الضّرورة أو البرهان ، وهما لا يجريان إلّا في أصول مسائل التّوحيد ، وإن كان بمعنى الإيقان بأنّ الله أمر أو نهى ، فذلك نادر في معظم مسائل التّشريع ، عدا ما علم من الدّين بالضرورة أو حصل لصاحبه بالحسّ ، وهو خاصّ بما تلقّاه بعض الصّحابة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مباشرة ، أو حصل بالتّواتر. وهو عزيز الحصول بعد عصر الصّحابة والتّابعين ، كما علم من أصول الفقه.
وجملة : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) استئناف بياني ، نشأ عن قوله : (يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فبيّن سبب ضلالهم : أنّهم اتّبعوا الشّبهة ، من غير تأمّل في مفاسدها ، فالمراد بالظنّ ظنّ أسلافهم ، كما أشعر به ظاهر قوله : (يَتَّبِعُونَ).
وجملة (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) عطف على جملة : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ). ووجود حرف العطف يمنع أن تكون هذه الجملة تأكيدا للجملة التي قبلها ، أو تفسيرا لها ، فتعيّن أنّ المراد بهذه الجملة غير المراد بجملة : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ).
وقد تردّدت آراء المفسّرين في محمل قوله : (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ؛ فقيل : يخرصون يكذبون فيما ادّعوا أنّ ما اتّبعوه يقين ، وقيل : الظن ظنّهم أنّ آباءهم على الحقّ. والخرص : تقديرهم أنفسهم على الحقّ.
والوجه : أنّ محمل الجملة الأولى على ما تلقّوه من أسلافهم ، كما أشعر به قوله : (يَتَّبِعُونَ) ، وأنّ محمل الجملة الثّانية على ما يستنبطونه من الزّيادات على ما ترك لهم