عَلَيْهِ) أي فأنبأهم الله بإبطال قياس المشركين المموّه بأنّ الميتة أولى بالأكل ممّا قتله الذّابح بيده ، فأبدى الله للنّاس الفرق بين الميتة والمذكّى ، بأنّ المذكّى ذكر اسم الله عليه ، والميتة لا يذكر اسم الله عليها ، وهو فارق مؤثّر. وأعرض عن محاجة المشركين لأنّ الخطاب مسوق إلى المسلمين لإبطال محاجّة المشركين فآل إلى الرد على المشركين بطريق التعريض. وهو من قبيل قوله في الردّ على المشركين ، في قولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] ، إذ قال : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] كما تقدّم هنالك ، فينقلب معنى الاستفهام في قوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) إلى معنى : لا يسوّل لكم المشركون أكل الميتة ، لأنّكم تأكلون ما ذكر اسم الله عليه ، هذا ما قالوه وهو تأويل بعيد عن موقع الآية.
وقوله : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) جملة في موضع الحال مبيّنة لما قبلها ، أي لا يصدّكم شيء من كلّ ما أحلّ الله لكم ، لأنّ الله قد فصّل لكم ما حرّم عليكم فلا تعدوه إلى غيره. فظاهر هذا أنّ الله قد بيّن لهم ، من قبل ، ما حرّمه عليهم من المأكولات ، فلعلّ ذلك كان بوحي غير القرآن ، ولا يصحّ أن يكون المراد ما في آخر هذه السّورة من قوله: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) [الأنعام : ١٤٥] الآية ، لأنّ هذه السّورة نزلت جملة واحدة على الصّحيح ، كما تقدّم في ديباجة تفسيرها ، فذلك يناكد أن يكون المتأخّر في التّلاوة متقدّما نزوله ، ولا أن يكون المراد ما في سورة المائدة [٣] في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) لأنّ سورة المائدة مدنيّة بالاتّفاق ، وسورة الأنعام هذه مكّيّة بالاتّفاق.
وقوله : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) استثناء من عائد الموصول ، وهو الضّمير المنصوب ب (حَرَّمَ) ، المحذوف لكثرة الاستعمال ، و (ما) موصولة ، أي إلّا الّذي اضطررتم إليه ، فإنّ المحرّمات أنواع استثني منها ما يضطرّ إليه من أفرادها فيصير حلالا. فهو استثناء متّصل من غير احتياج إلى جعل (ما) في قوله : (مَا اضْطُرِرْتُمْ) مصدريّة.
وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وعاصم ، وأبو جعفر ، وخلف : (وَقَدْ فَصَّلَ) ببناء الفعل للفاعل. وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر بالبناء للمجهول. وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر : (ما حَرَّمَ) بالبناء للفاعل ، وقرأه الباقون : بالبناء للمجهول. والمعنى في القراءات فيهما واحد.
والاضطرار تقدّم بيانه في سورة المائدة.
(وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ).