واستمراره.
ولمّا جاء في المذنبين فعل يكسبون المتعدي إلى الإثم ، جاء في صلة جزائهم بفعل (يقترفون) ، لأنّ الاقتراف إذا أطلق فالمراد به اكتساب الإثم كما تقدّم آنفا في قوله تعالى : (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) [الأنعام : ١١٣].
(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١))
جملة : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) معطوفة على جملة : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١١٨].
و (ما) في قوله : (مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) موصولة ، وما صدق الموصول هنا : ذكيّ ، بقرينة السّابق الّذي ما صدقه ذلك بقرينة المقام. ولمّا كانت الآية السّابقة قد أفادت إباحة أكل ما ذكر اسم الله عليه ، وأفهمت النّهي عمّا لم يذكر اسم الله عليه ، وهو الميتة ، وتمّ الحكم في شأن أكل الميتة والتفرقة بينها وبين ما ذكّي وذكر اسم الله عليه ، ففي هذه الآية أفيد النّهي والتّحذير من أكل ما ذكر اسم غير الله عليه. فمعنى : (لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) : أنّه ترك ذكر اسم الله عليه قصدا وتجنّبا لذكره عليه ، ولا يكون ذلك إلّا لقصد أن لا يكون الذّبح لله ، وهو يساوي كونه لغير الله ، إذ لا واسطة عندهم في الذكاة بين أن يذكروا اسم الله أو يذكروا اسم غير الله ، كما تقدّم بيانه عند قوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١١٨]. وممّا يرشّح أنّ هذا هو المقصود قوله هنا : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) وقوله في الآية الآتية : (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [الأنعام : ١٤٥] ، فعلم أنّ الموصوف بالفسق هنا : هو الّذي وصف به هنالك ، وقيد هنالك بأنّه أهلّ لغير الله به ، وبقرينة تعقيبه بقوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) لأنّ الشّرك إنّما يكون بذكر أسماء الأصنام على المذكّى ، ولا يكون بترك التّسمية.
وربّما كان المشركون في تحيّلهم على المسلمين في أمر الذكاة يقتنعون بأن يسألوهم ترك التّسمية ، بحيث لا يسمّون الله ولا يسمّون للأصنام ، فيكون المقصود من الآية : تحذير المسلمين من هذا التّرك المقصود به التمويه ، وأن يسمّى على الذّبائح غير أسماء آلهتهم.
فإن اعتددنا بالمقصد والسّياق ، كان اسم الموصول مرادا به شيء معيّن ، لم يذكر اسم الله عليه ، فكان حكمها قاصرا على ذلك المعيّن ، ولا تتعلّق بها مسألة وجوب التّسمية