ظلمات. وقوله : (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) تقديره : كمن مثله مثل ميّت فما صدق (من) ميّت بدليل مقابلته بميّت في الحالة المشبّهة ، فيعلم أنّ جزء الهيئة المشبّهة هو الميّت لأنّ المشبّه والمشبّه به سواء في الحالة الأصليّة وهي حالة كون الفريقين مشركين. ولفظ (مثل) بمعنى حالة. ونفي المشابهة هنا معناه نفي المساواة ، ونفي المساواة كناية عن تفضيل إحدى الحالتين على الأخرى تفضيلا لا يلتبس ، فذلك معنى نفي المشابهة كقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) [الرعد : ١٦] ـ وقوله ـ (أفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة : ١٨]. والكاف في قوله : (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) كاف التّشبيه ، وهو تشبيه منفي بالاستفهام الإنكاري.
والكلام جار على طريقة تمثيل حال من أسلم وتخلّص من الشرك بحال من كان ميّتا فأحيي ، وتمثيل حال من هو باق في الشرك بحال ميت باق في قبره. فتضمّنت جملة : (أوَمَنْ كانَ مَيْتاً) إلى آخرها تمثيل الحالة الأولى ، وجملة : (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) إلخ تمثيل الحالة الثّانية ، فهما حالتان مشبّهتان ، وحالتان مشبّه بهما ، وحصل بذكر كاف التّشبيه وهمزة الاستفهام الإنكاري أنّ معنى الكلام نفي المشابهة بين من أسلم وبين من بقي في الشرك. كما حصل من مجموع الجملتين : أنّ في نظم الكلام تشبيهين مركّبين.
ولكنّ وجود كاف التّشبيه في قوله : (كَمَنْ مَثَلُهُ) مع عدم التّصريح بذكر المشبّهين في التّركيبين أثارا شبهة : في اعتبار هذين التّشبيهين أهو من قبيل التّشبيه التّمثيلي ، أم من قبيل الاستعارة التّمثيلية ؛ فنحا القطب الرّازي في «شرح الكشاف» القبيل الأول ، ونحا التفتازانيّ القبيل الثاني ، والأظهر ما نحاه التفتازانيّ : أنّهما استعارتان تمثيليتان ، وأمّا كاف التّشبيه فهو متوجّه إلى المشابهة المنفيّة في مجموع الجملتين لا إلى مشابهة الحالين بالحالين ، فمورد كاف التّشبيه غير مورد تمثيل الحالين. وبين الاعتبارين بون خفي.
والمراد : ب (الظُّلُماتِ) ظلمة القبر لمناسبة للميّت ، وبقرينة ظاهر (فِي) من حقيقة الظرفية وظاهر حقيقة فعل الخروج.
ولقد جاء التّشبيه بديعا : إذ جعل حال المسلم ، بعد أن صار إلى الإسلام ، بحال من كان عديم الخير ، عديم الإفادة كالميّت ، فإنّ الشرك يحول دون التّمييز بين الحقّ والباطل ويصرف صاحبه عن السّعي إلى ما فيه خيره ونجاته ، وهو في ظلمة لو أفاق لم يعرف أين ينصرف ، فإذا هداه الله إلى الإسلام تغيّر حاله فصار يميّز بين الحقّ والباطل ، ويعلم الصّالح من الفاسد ، فصار كالحي وصار يسعى إلى ما فيه الصّلاح ، ويتنكّب عن سبيل