المشركين على النّاس في صرفهم عن النّبيء صلىاللهعليهوسلم وعن متابعة الإسلام ، قال مجاهد : كانوا جلسوا على كلّ عقبة ينفّرون النّاس عن اتّباع النّبيء صلىاللهعليهوسلم.
وقد حذف متعلّق : (لِيَمْكُرُوا) لظهوره ، أي ليمكروا بالنّبيء عليه الصلاة والسلام ظنّا منهم بأنّ صدّ النّاس عن متابعته يضرّه ويحزنه ، وأنّه لا يعلم بذلك ، ولعلّ هذا العمل منهم كان لما كثر المسلمون في آخر مدّة إقامتهم بمكّة قبيل الهجرة إلى المدينة ، ولذلك قال الله تعالى : (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) ، فالواو للحال ، أي هم في مكرهم ذلك إنّما يضرّون أنفسهم ، فأطلق المكر على مآله وهو الضرّ ، على سبيل المجاز المرسل ، فإنّ غاية المكر ومآله إضرار الممكور به ، فلمّا كان الإضرار حاصلا للماكرين دون الممكور به أطلق المكر على الإضرار.
وجيء بصيغة القصر : لأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لا يلحقه أذى ولا ضرّ من صدّهم النّاس عن اتّباعه ، ويلحق الضرّ الماكرين ، في الدّنيا : بعذاب القتل والأسر ، وفي الآخرة : بعذاب النّار ، إن لم يؤمنوا فالضرّ انحصر فيهم على طريقة القصر الإضافي ، وهو قصر قلب.
وقوله : (وَما يَشْعُرُونَ) جملة حال ثانية ، فهم في حالة مكرهم بالنّبيء متّصفون بأنّهم ما يمكرون إلّا بأنفسهم وبأنّهم ما يشعرون بلحاق عاقبة مكرهم بهم ، والشّعور : العلم.
(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤))
(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ).
عطف على جملة : (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) [الأنعام : ١٢٣] لأنّ هذا حديث عن شيء من أحوال أكابر مجرمي مكّة ، وهم المقصود من التّشبيه في قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها). ومكّة هي المقصود من عموم كلّ قرية كما تقدّم ، فالضّمير المنصوب في قوله : (جاءَتْهُمْ) عائد إلى (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) [الأنعام : ١٢٣] ، باعتبار الخاصّ المقصود من العموم ، إذ ليس قول : (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) بمنسوب إلى جميع أكابر المجرمين من جميع القرى.