بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١))
جملة (وَلَوْ أَنَّنا) معطوفة على جملة (وَما يُشْعِرُكُمْ) [الأنعام : ١٠٩] باعتبار كون جملة (وَما يُشْعِرُكُمْ) عطفا على جملة (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) [الأنعام : ١٠٩] ، فتكون ثلاثتها ردّا على مضمون جملة (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) [الأنعام : ١٠٩] إلخ ، وبيانا لجملة (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩].
روى عن ابن عبّاس : أنّ المستهزئين ، الوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطّلب ، والحارث بن حنظلة ، من أهل مكّة. أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في رهط من أهل مكّة فقالوا : «أرنا الملائكة يشهدون لك أو ابعث لنا بعض موتانا فنسألهم : أحقّ ما تقول» ، وقيل : إن المشركين قالوا : «لا نؤمن لك حتّى يحشر قصي فيخبرنا بصدقك أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا ـ أي كفيلا ـ» فنزل قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) للردّ عليهم. وحكى الله عنهم (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ـ إلى قوله ـ أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) في سورة الإسراء : [٩٠ ـ ٩٢]. وذكر ثلاثة أشياء من خوارق العادات مسايرة لمقترحاتهم ، لأنّهم اقترحوا ذلك.
وقوله : (وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ) يشير إلى مجموع ما سألوه وغيره. والحشر : الجمع ، ومنه : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ) [النمل : ١٧]. وضمّن معنى البعث والإرسال فعدّي بعلى كما قال تعالى : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) [الإسراء : ٥]. و (كُلَّ شَيْءٍ) يعمّ الموجودات كلّها. لكن المقام يخصّصه بكلّ شيء ممّا سألوه ، أو من جنس خوارق العادات والآيات ، فهذا من العام المراد به الخصوص مثل قوله تعالى ، في ريح عاد (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) [الأحقاف : ٢٥] والقرينة هي ما ذكر قبله من قوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى).
وقوله : (قُبُلاً) قرأه نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر ـ بكسر القاف وفتح الباء ـ ، وهو