٢٣] ، فقد كتموا. فقال ابن عبّاس : إنّ الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، فقال المشركون: تعالوا نقل : ما كنّا مشركين ، فختم الله على أفواههم فتنطق أيديهم».
(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١))
استئناف ابتدائي ، تهديد وموعظة ، وعبرة بتفريط أهل الضّلالة في فائدة دعوة الرّسل ، وتنبيه لجدوى إرسال الرّسل إلى الأمم ليعيد المشركون نظرا في أمرهم ، ما داموا في هذه الدار ، قبل يوم الحشر ، ويعلموا أنّ عاقبة الإعراض عن دعوة الرّسول صلىاللهعليهوسلم خسرى ، فيتداركوا أمرهم خشية الفوات ، وإنذار باقتراب نزول العذاب بهم ، وإيقاظ للمشركين بأنّ حالهم كحال المتحدّث عنهم إذا ماتوا على شركهم.
والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى مذكور في الكلام السّابق ، وهو أقرب مذكور ، كما هو شأن الإشارة إلى غير محسوس ، فالمشار إليه هو المذكور قبل ، أو هو إتيان الرّسل الّذي جرى الكلام عليه في حكاية تقرير المشركين في يوم الحشر عن إتيان رسلهم إليهم ، وهو المصدر المأخوذ من قوله : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الأنعام : ١٣٠] فإنّه لمّا حكى ذلك القول للنّاس السّامعين ، صار ذلك القول المحكي كالحاضر ، فصحّ أن يشار إلى شيء يؤخذ منه. واسم الإشارة إمّا مبتدأ أو خبر لمحذوف تقديره : ذلك الأمر أو الأمر ذلك ، كما يدلّ عليه ضمير الشأن المقدّر بعد (أن).
و (أَنْ) مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، كما هو استعمالها عند التّخفيف ، وذلك لأنّ هذا الخبر له شأن يجدر أن يعرف والجملة خبر (أَنْ) ، وحذفت لام التّعليل الداخلة على (أَنْ) : لأنّ حذف جارّ (أَنْ) كثير شائع ، والتّقدير : ذلك الأمر ، أو الأمر ذلك ، لأنّه ـ أي الشأن ـ لم يكن ربّك مهلك القرى.
وجملة : (لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) هو شأن عظيم من شئون الله تعالى ، وهو شأن عدله ورحمته ، ورضاه لعباده الخير والصّلاح ، وكراهيته سوء أعمالهم ، وإظهاره أثر ربوبيته إياهم بهدايتهم إلى سبل الخير ، وعدم مباغتتهم بالهلاك قبل التقدّم إليهم بالإنذار والتنبيه.
وفي الكلام إيجاز إذ علم منه : أنّ الله يهلك القرى المسترسل أهلها على الشّرك إذا أعرضوا عن دعوة الرّسل ، وأنّه لا يهلكهم إلّا بعد أن يرسل إليهم رسلا منذرين ، وأنّه أراد حمل تبعة هلاكهم عليهم ، حتى لا يبقى في نفوسهم أن يقولوا : لو لا رحمنا ربّنا فانبأنا