وأعذر إلينا ، كما قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) (أي قبل محمّدصلىاللهعليهوسلم أو قبل القرآن) (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) [طه : ١٣٤] فاقتصر من هذا المعنى على معنى أنّ علّة الإرسال هي عدم إهلاك القرى على غفلة ، فدلّ على المعنى المحذوف.
والإهلاك : إعدام ذات الموجود وإماتة الحيّ. قال تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢] فإهلاك القرى إبادة أهلها وتخريبها ، وإحياؤها إعادة عمرانها بالسكّان والبناء ، قال تعالى : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ) (أي القرية) (اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) [البقرة : ٢٥٩]. وإهلاك النّاس : إبادتهم ، وإحياؤهم إبقاؤهم ، فمعنى إهلاك القرى هنا شامل لإبادة سكّانها. لأنّ الإهلاك تعلّق بذات القرى ، فلا حاجة إلى التمجّز في إطلاق القرى على أهل القرى (كما في : و (سْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] لصحّة الحقيقة هنا ، ولأنّه يمنع منه قوله : (وَأَهْلُها غافِلُونَ). ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) [الإسراء : ١٦] فجعل إهلاكها تدميرها ، وإلى قوله : (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) [الفرقان : ٤٠].
والباء في : (بِظُلْمٍ) للسّببيّة ، والظلم : الشّرك ، أي مهلكهم بسبب شرك يقع فيها فيهلكها ويهلك أهلها الّذين أوقعوه ، ولذلك لم يقل : بظلم أهلها ، لأنّه أريد أن وجود الظلم فيها سبب هلاكها ، وهلاك أهلها بالأحرى لأنّهم المقصود بالهلاك.
وجملة : (وَأَهْلُها غافِلُونَ) حال من (الْقُرى). وصرح هنا ب (أَهْلُها) تنبيها على أنّ هلاك القرى من جراء أفعال سكّانها ، (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) [النمل : ٥٢].
(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢))
احتراس على قوله : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) [الأنعام : ١٣١] للتنبيه على أنّ الصّالحين من أهل القرى الغالب على أهلها الشرك والظّلم لا يحرمون جزاء صلاحهم.
والتّنوين في : (وَلِكُلٍ) عوض عن المضاف إليه : أي ولكلّهم ، أي كلّ أهل القرى المهلكة درجات. يعني أنّ أهلها تتفاوت أحوالهم في الآخرة. فالمؤمنون منهم لا يضاع إيمانهم. والكافرون يحشرون إلى العذاب في الآخرة. بعد أن عذّبوا في الدّنيا. فالله قد