كناية عن منع الحجّ عليها ، والظاهر أنّ هذه هي الحامي والبحيرة والسّائبة ، لأنّهم لمّا جعلوا نفعها للأصنام لم يجيزوا أن تستعمل في غير خدمة الأصنام.
وقوله : (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) معطوف على قوله : (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) وهو عطف صنف على صنف ، بقرينة استيفاء أوصاف المعطوف عليه ، كما تقدّم في نظيره.
وانتصب : (افْتِراءً عَلَيْهِ) على المفعولية المطلقة ل (قالُوا) ، أي قالوا ذلك قول افتراء ، لأنّ الافتراء بعض أنواع القول ، فصحّ أن ينتصب على المفعول المطلق المبين لنوع القول ، والافتراء الكذب الّذي لا شبهة لقائله فيه وتقدّم عند قوله تعالى : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) في سورة آل عمران [٩٤] ، وعند قوله : (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في سورة العقود [١٠٣]. وإنّما كان قولهم افتراء : لأنّهم استندوا فيه لشيء ليس واردا لهم من جانب الله ، بل هو من ضلال كبرائهم.
وجملة : (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) استئناف بياني ، لأنّ الافتراء على الخالق أمر شنيع عند جميع الخلق ، فالإخبار به يثير سؤال من يسأل عمّا سيلقونه من جزاء افترائهم ، فأجيب بأنّ الله سيجزيهم بما كانوا يفترون. وقد أبهم الجزاء للتهويل لتذهب النّفوس كلّ مذهب ممكن في أنواع الجزاء على الإثم ، والباء بمعنى (عن) ، أو للبدلية والعوض.
(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))
عطف على قوله : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) [الأنعام : ١٣٨]. وأعيد فعل : (قالُوا) لاختلاف غرض المقول.
والإشارة إلى أنعام معروفة بينهم بصفاتها ، كما تقدّم ، أو إلى الأنعام المذكورة قبل. ولا يتعلّق غرض في هذه الآية بأكثر من إجمال الأشياء الّتي حرموها لأنّ المقصود التّعجيب من فساد شرعهم كما تقدّم آنفا ، وهذا خبر عن دينهم في أجنّة الأنعام التي حجروها أو حرّموا ظهورها ، فكانوا يقولون في أجنّة البحيرة والسّائبة : إذا خرجت أحياء يحلّ أكلها للذكور دون النّساء ، وإذا خرجت ميّتة حلّ أكلها للذّكور والنّساء ، فالمراد بما في البطون الأجنة لا محالة لقوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) وقد كانوا يقولون في ألبان البحيرة