وأمّا قوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) أي إن يولد ما في بطون الأنعام ميّتا جاز أكله للرّجال والأزواج ، أو للرّجال والنّساء ، أو للرّجال والنّساء والبنات ، وذلك لأنّ خروجه ميّتا يبطل ما فيه من الشّؤم على المرأة ، أو يذهب قداسته أو نحو ذلك.
وقرأ الجمهور : (وَإِنْ يَكُنْ) ـ بالتحتيّة ونصب (مَيْتَةً). وقرأ ابن كثير ـ برفع (مَيْتَةً) ـ ، على أنّ كان تامّة ، وقد أجري ضمير : (يَكُنْ) على التّذكير : لأنّه جائز في الخبر عن اسم الموصول المفرد اعتبار التّذكير لتجرّد لفظه عن علامة تأنيث ، وقد يراعى المقصود منه فيجري الإخبار على اعتباره ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) [محمد : ١٦]. وقرأ ابن عامر ـ بالفوقيّة ـ على اتّباع تأنيث (خالِصَةٌ) ، أي إن تكن الأجنّة ، وقرأ (مَيْتَةً) ـ بالنّصب ـ ، وقرأه أبو بكر عن عاصم ـ بالتّأنيث والنّصب ـ.
وجملة : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) مستأنفة استئنافا بيانيا ، كما قلت في جملة : (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) [الأنعام : ١٣٨] آنفا.
والوصف : ذكر حالات الشّيء الموصوف وما يتميّز به لمن يريد تمييزه في غرض ما ، وتقدّم في قوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) في هذه السّورة [١٠٠]. والوصف ، هنا : هو ما وصفوا به الأجنّة من حلّ وحرمة لفريق دون فريق ، فذلك وصف في بيان الحرام والحلال منه كقوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) [النحل : ١١٦].
وجزاؤهم عنه هو جزاء سوء بقرينة المقام ، لأنّه سمّى مزاعمهم السّابقة افتراء على الله. وجعل الجزاء متعدّيا للوصف بنفسه على تقدير مضاف ، أي : سيجزيهم جزاء وصفهم. ضمّن (سَيَجْزِيهِمْ) معنى يعطيهم ، أي جزاء وفاقا له.
وجملة : (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) تعليل لكون الجزاء موافقا لجرم وصفهم. وتؤذن (إنّ) بالربط والتّعليل ، وتغني غناء الفاء ، فالحكيم يضع الأشياء مواضعها ، والعليم يطّلع على أفعال المجزيين ، فلا يضيع منها ما يستحقّ الجزاء.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠))