غيّر أسلوب الحكاية عن أحوال المشركين فأقبل على خطاب المؤمنين بهذه المنّة وهذا الحكم ؛ فهذه الجمل معترضة وهي تعريض بتسفيه أحلام المشركين لتحريمهم على أنفسهم ما منّ الله به عليهم.
والثمر : ـ بفتح الثّاء والميم ـ وبضمّهما ـ وقرئ بهما كما تقدّم بيانه في نظيرتها.
والأمر للإباحة بقرينة أن الأكل من حقّ الإنسان الّذي لا يجب عليه أن يفعله ، فالقرينة ظاهرة. والمقصود الردّ على الّذين حجّروا على أنفسهم بعض الحرث.
و (إِذا) مفيدة للتّوقيت لأنها ظرف ، أي : حين إثماره ، والمقصود من التّقييد بهذا الظّرف إباحة الأكل منه عند ظهوره وقبل حصاده تمهيدا لقوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) أي : كلوا منه قبل أداء حقّه. وهذه رخصة ومنّة ، لأنّ العزيمة أن لا يأكلوا إلّا بعد إعطاء حقّه كيلا يستأثروا بشيء منه على أصحاب الحقّ ، إلّا أنّ الله رخّص للنّاس في الأكل توسعة عليهم أن يأكلوا منه أخضر قبل يبسه لأنّهم يستطيبونه كذلك ، ولذلك عقّبه بقوله : (وَلا تُسْرِفُوا) كما سيأتي.
وإفراد الضّميرين في قوله : (مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) على اعتبار تأويل المعاد بالمذكور.
والأمر في قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) خطاب خاصّ بالمؤمنين كما تقدم. وهذا الأمر ظاهر في الوجوب بقرينة تسمية المأمور به حقّا. وأضيف الحقّ إلى ضمير المذكور لأدنى ملابسة ، أي الحقّ الكائن فيه.
وقد أجمل الحقّ اعتمادا على ما يعرفونه ، وهو : حقّ الفقير ، والقربى ، والضّعفاء ، والجيرة. فقد كان العرب ، إذا جذّوا ثمارهم ، أعطوا منها من يحضر من المساكين والقرابة. وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) [القلم : ٢٣ ، ٢٤]. فلمّا جاء الإسلام أوجب على المسلمين هذا الحقّ وسمّاه حقّا كما في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج : ٢٤ ، ٢٥] ، وسمّاه الله زكاة في آيات كثيرة ولكنّه أجمل مقداره وأجمل الأنواع الّتي فيها الحقّ ووكلهم في ذلك إلى حرصهم على الخير ، وكان هذا قبل شرع نصبها ومقاديرها. ثمّ شرعت الزّكاة وبيّنت السنّة نصبها ومقاديرها.
والحصاد ـ بكسر الحاء وبفتحها ـ قطع الثّمر والحبّ من أصوله ، وهو مصدر على وزن الفعال أو الفعال. قال سيبويه «جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزّمان على مثال