بذلك أثرا واضحا في إبطال تحريم بعضها الّذي هو تضييق في المنّة ونبذ للنّعمة ، وليتمّ الإيجاز إذ يغني عن أن يقول : وأنشأ لكم الأنعام وأنشأ منها حمولة وفرشا ، كما سيأتي.
والأنعام : الإبل ، والبقر ، والشّاء ، والمعز ، وقد تقدّم في صدر سورة العقود ، والحمولة ـ بفتح الحاء ـ ما يحمل عليه المتاع أو النّاس يقال : حمل المتاع وحمل فلانا ، قال تعالى : (إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) [التوبة : ٩٢] ويلزمها التّأنيث ، والإفراد مثل (صرورة) للّذي لم يحجّ يقال : امرأة صرورة ورجل صرورة.
والفرش : اختلف في تفسيره في هذه الآية. فقيل : الفرش ما لا يطيق الحمل من الإبل أي فهو يركب كما يفرش الفرش ، وهذا قول الراغب. وقيل : الفرش الصّغار من الإبل أو من الأنعام كلّها ، لأنّها قريبة من الأرض فهي كالفرش ، وقيل : الفرش ما يذبح لأنّه يفرش على الأرض حين الذبح أو بعده ، أي فهو الضان والمعز والبقر لأنّها تذبح. وفي «اللّسان» عن أبي إسحاق : أجمع أهل اللّغة على أنّ الفرش هو صغار الإبل.
زاد في «الكشاف» : «أو الفرش : ما ينسج من وبره وصوفه وشعره الفرش» يريد أنه كما قال تعالى : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) [النحل : ٨٠] ، وقال : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) [النحل : ٥ ـ ٧] الآية ، ولأنّهم كانوا يفترشون جلود الغنم والمعز للجلوس عليها.
ولفظ (فَرْشاً) صالح لهذه المعاني كلّها ، ومحامله كلّها مناسبة للمقام ، فينبغي أن تكون مقصودة من الآية ، وكأنّ لفظ الفرش لا يوازنه غيره في جمع هذه المعاني ، وهذا من إعجاز القرآن من جانب فصاحته ، فالحمولة الإبل خاصّة ، والفرش يكون من الإبل والبقر والغنم على اختلاف معاني اسم الفرش الصّالحة لكلّ نوع مع ضميمته إلى كلمة (من) الصالحة للابتداء.
فالمعنى : وأنشأ من الأنعام ما تحملون عليه وتركبونه ، وهو الإبل الكبيرة والإبل الصّغيرة ، وما تأكلونه وهو البقر والغنم ، وما هو فرش لكم وهو ما يجزّ منها ، وجلودها. وقد علم السّامع أنّ الله لمّا أنشأ حمولة وفرشا من الأنعام فقد أنشأ الأنعام أيضا ، وأول ما يتبادر للنّاس حين ذكر الأنعام أن يتذكّروا أنّهم يأكلون منها ، فحصل إيجاز في الكلام ولذلك عقّب بقوله : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ).
وجملة : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) معترضة مثل آية : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) [الأنعام :