١٤١]. ومناسبة الأمر بالأكل بعد ذكر الأنعام : أنّه لمّا كان قوله : (وَفَرْشاً) شيئا ملائما للذّبح ، كما تقدّم ، عقّب بالإذن بأكل ما يصلح للأكل منها. واقتصر على الأمر بالأكل لأنّه المقصود من السّياق إبطالا لتحريم ما حرّموه على أنفسهم ، وتمهيدا لقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) فالأمر بالأكل هنا مستعمل في النّهي عن ضدّه وهو عدم الأكل من بعضها ، أي لا تحرّموا ما أحلّ لكم منها اتّباعا لتغرير الشّيطان بالوسوسة لزعماء المشركين الّذين سنّوا لهم تلك السّنن الباطلة ، وليس المراد بالأمر الإباحة فقط.
وعدل عن الضّمير بأن يقول : كلوا منها : إلى الإتيان بالموصول ، (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) لما في صلة الموصول من الإيماء إلى تضليل الّذين حرّموا على أنفسهم ، أو على بعضهم ، الأكل من بعضها ، فعطّلوا على أنفسهم بعضا ممّا رزقهم الله.
ومعنى : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) النّهي عن شئون الشّرك فإنّ أول خطوات الشّيطان في هذا الغرض هي تسويله لهم تحريم بعض ما رزقهم الله على أنفسهم. وخطوات الشّيطان تمثيل ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) في سورة البقرة [١٦٨].
وجملة : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) تعليل للنّهي ، وموقع (إنّ) فيه يغني عن فاء التّفريع كما تقدّم غير مرّة ، وقد تقدّم بيانه في آية البقرة.
[١٤٣ ، ١٤٤] (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤))
جملة : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) حال من (مِنَ الْأَنْعامِ) [الأنعام : ١٤٢]. ذكر توطئة لتقسيم الأنعام إلى أربعة أصناف الّذي هو توطئة للردّ على المشركين لقوله : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ـ إلى قوله ـ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) أي أنشأ من الأنعام حمولة إلى آخره حالة كونها ثمانية أزواج.
والأزواج جمع زوج ، والزوج اسم لذات منضمّة إلى غيرها على وجه الملازمة ،