حرّموه افتراء على الله. ونهضت الحجّة عليهم ، الملجئة لهم ، كما أشار إليه كلام النّبيءصلىاللهعليهوسلم لمالك بن عوف الجشمي المذكور آنفا ، ولذلك سجّل عليهم بقوله : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فقوله : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) أي لو حرّم الله الذكرين لسوّى في تحريمهما بين الرّجال والنّساء. وكذلك القول في الأنثيين ، والاستفهام في قوله : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) في الموضعين مستعمل في التّقرير والإنكار بقرينة قوله قبله : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [الأنعام : ١٣٩]. وقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [البقرة : ١٦٨]. ومعلوم أنّ استعمال الاستفهام في غير معنى طلب الفهم هو إما مجاز أو كناية.
ولذلك تعيّن أن تكون (أَمِ) منقطعة بمعنى (بل) ومعناها الإضراب الانتقالي تعديدا لهم ويقدّر بعدها استفهام. فالمفرد بعد (أَمِ) مفعول لفعل محذوف ، والتّقدير : أم أحرّم الأنثيين. وكذلك التّقدير في قوله : (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) وكذلك التّقدير في نظيره.
وقوله : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) مع قوله : (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) من مسلك السير والتقسيم المذكور في مسالك العلة من علم أصول الفقه.
وجملة : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بدل اشتمال من جملة ؛ (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) لأنّ إنكار أن يكون الله حرّم شيئا من ذكور وإناث ذينك الصنفين يقتضي تكذيبهم في زعمهم أنّ الله حرّم ما ذكروه فيلزم منه طلب الدّليل على دعواهم. فموقع جملة (آلذَّكَرَيْنِ) بمنزلة الاستفسار في علم آداب البحث. وموقع جملة : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بمنزلة المنع. وهذا تهكّم لأنّه لا يطلب تلقّي علم منهم. وهذا التّهكّم تابع لصورة الاستفهام وفرع عنها. وهو هنا تجريد للمجاز أو للمعنى الملزوم المنتقل منه في الكناية. وتثنية الذكرين والأنثيين : باعتبار ذكور وإناث النّوعين.
وتعدية فعل : (حَرَّمَ) إلى (آلذَّكَرَيْنِ) و (الْأُنْثَيَيْنِ) وما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، على تقدير مضاف معلوم من السّياق ، أي : حرّم أكل الذكرين أم الأنثيين إلى آخره.
والتّعريف في قوله : (آلذَّكَرَيْنِ) وقوله : (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) تعريف الجنس كما في «الكشاف».
والباء في (بِعِلْمٍ) : يحتمل أن تكون لتعدية فعل الإنباء ، فالعلم بمعنى المعلوم.