أثناء وصف عذاب أهل النّار ، والمبيّن به حال نفوسهم في المعاملة بقوله : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) [الأعراف : ٣٨].
والتّعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للتّنبيه على تحقّق وقوعه ، أي : وننزع ما في صدورهم من غل ، وهو تعبير معروف في القرآن كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١].
والنّزع حقيقته قلع الشّيء من موضعه وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) في آل عمران [٢٦] ، ونزع الغل من قلوب أهل الجنّة : هو إزالة ما كان في قلوبهم في الدّنيا من الغلّ عند تلقي ما يسوء من الغير ، بحيث طهّر الله نفوسهم في حياتها الثّانية عن الانفعال بالخواطر الشرّية التي منها الغلّ ، فزال ما كان في قلوبهم من غلّ بعضهم من بعض في الدّنيا ، أي أزال ما كان حاصلا من غلّ وأزال طباع الغلّ التي في النّفوس البشريّة بحيث لا يخطر في نفوسهم.
والغلّ : الحقد والإحنة والضغن ، التي تحصل في النّفس عند إدراك ما يسوؤها من عمل غيرها ، وليس الحسد من الغلّ بل هو إحساس باطني آخر.
وجملة : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) في موضع الحال ، أي هم في أمكنة عالية تشرف على أنهار الجنّة.
وجملة : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ) معطوفة على جملة : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [الأعراف : ٤٢].
والتّعبير بالماضي مراد به المستقبل أيضا كما في قوله : (وَنَزَعْنا) وهذا القول يحتمل أن يكونوا يقولونه في خاصتهم ونفوسهم ، على معنى التّقرب إلى الله بحمده ، ويحتمل أن يكونوا يقولونه بينهم في مجامعهم.
والإشارة في قولهم : (لِهذا) إلى جميع ما هو حاضر من النّعيم في وقت ذلك الحمد ، والهداية له هي الإرشاد إلى أسبابه ، وهي الإيمان والعمل الصّالح ، كما دلّ عليه قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الأعراف : ٤٢] ، وقال تعالى : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) [يونس : ٩] الآية ، وجعل الهداية لنفس النّعيم لأنّ الدّلالة على ما يوصل إلى الشّيء إنّما هي هداية لأجل ذلك الشّيء ، وتقدّم الكلام على فعل الهداية وتعديته في سورة الفاتحة [٦].
والمراد بهدي الله تعالى إياهم إرساله محمّدا صلىاللهعليهوسلم إليهم فأيقظهم من غفلتهم فاتّبعوه ،