العجب قول المعتزلة بوجوب الثّواب عقلا ، ولعلّهم أوقعهم فيه اشتباه حصول الثّواب بالسّلامة من العقاب ، مع أنّ الواسطة بين الحالين بيّنة لأولي الألباب. وهذا أحسن ممّا يطيل به أصحابنا معهم في الجواب.
وباء السّببيّة اقتضت الذي أعطاهم منازل الجنّة أراد به شكر أعمالهم وثوابها من غير قصد تعاوض ولا تقابل فجعلها كالشيء الذي استحقّه العامل عوضا عن عمله فاستعار لها باء السّببيّة.
[٤٤ ، ٤٥] (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥))
جملة : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) يجوز أن تكون معطوفة على جملة (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) [الأعراف : ٤٣] إلخ ، عطف القول على القول ، إذ حكي قولهم المنبئ عن بهجتهم بما هم فيه من النّعيم ، ثمّ حكي ما يقولونه لأهل النّار حينما يشاهدونهم.
ويجوز أن تكون معطوفة على جملة (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها) [الأعراف : ٤٣] عطف القصّة على القصّة بمناسبة الانتقال من ذكر نداء من قبل الله إلى ذكر مناداة أهل الآخرة بعضهم بعضا ، فعلى الوجهين يكون التعبير عنهم بأصحاب الجنّة دون ضميرهم توطئة لذكر نداء أصحاب الأعراف ونداء أصحاب النّار ، ليعبّر عن كلّ فريق بعنوانه وليكون منه محسن الطباق في مقابلته بقوله : (أَصْحابَ النَّارِ).
وهذا النّداء خطاب من أصحاب الجنّة ، عبّر عنه بالنّداء كناية عن بلوغه إلى أسماع أصحاب النّار من مسافة سحيقة البعد ، فإن سعة الجنّة وسعة النّار تقتضيان ذلك لا سيما قوله : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ) [الأعراف : ٤٦] ، ووسيلة بلوغ هذا الخطاب من الجنّة إلى أصحاب النّار وسيلة عجيبة غير متعارفة. وعلم الله وقدرته لا حدّ لمتعلّقاتهما.
و (أنّ) في قوله : (أَنْ قَدْ وَجَدْنا) تفسيرية للنّداء. والخبر الذي هو (قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) مستعمل في لازم معناه وهو الاغتباط بحالهم ، وتنغيص أعدائهم بعلمهم برفاهيّة حالهم ، والتورك على الأعداء إذ كانوا يحسبونهم قد ضلّوا حين فارقوا دين آبائهم ، وأنّهم حرموا أنفسهم طيّبات الدّنيا بالانكفاف عن المعاصي ، وهذه معان متعدّدة كلّها من لوازم الإخبار ، والمعاني الكنائيّة لا يمتنع تعدّدها لأنّها تبع للّوازم العقليّة ، وهذه الكناية