فيها ، لأنّ ذينك من الأفعال القابلة للتّكرير ، بخلاف الكفر فإنّه ليس من الأفعال ، ولكنّه من الانفعالات ، ونظير ذلك قوله تعالى : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [الشورى : ١٩].
[٤٦ ، ٤٧] (وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧))
تقديم (وَبَيْنَهُما) وهو خبر على المبتدأ للاهتمام بالمكان المتوسّط بين الجنّة والنّار وما ذكر من شأنه. وبهذا التّقديم صحّ تصحيح الابتداء بالنّكرة ، والتّنكير للتّعظيم.
وضمير (بَيْنَهُما) يعود إلى لفظي الجنّة والنّار الواقعين في قوله (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) [الأعراف : ٤٤] وهما اسما مكان ، فيصلح اعتبار التّوسّط بينهما. وجعل الحجاب فصلا بينهما. وتثنية الضّمير تعيّن هذا المعنى ، ولو أريد من الضّمير فريقا أهل الجنّة وأهل النّار ، لقال : بينهم ، كما قال في سورة الحديد [١٣] (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) الآية.
والحجاب : سور ضرب فاصلا بين مكان الجنّة ومكان جهنّم ، وقد سمّاه القرآن سورا في قوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) في سورة الحديد [١٣] ، وسمّي السور حجابا لأنّه يقصد منه الحجب والمنع كما سمّي سورا باعتبار الإحاطة.
والأعراف : جمع عرف ـ بضمّ العين وسكون الرّاء ، وقد تضمّ الرّاء أيضا ـ وهو أعلى الشّيء ومنه سمّي عرف الفرس ، الشّعر الذي في أعلى رقبته ، وسمّي عرف الدّيك. الرّيش الذي في أعلى رأسه.
و (أل) في (الْأَعْرافِ) للعهد. وهي الأعراف المعهودة التي تكون بارزة في أعالي السّور. ليرقب منها النظّارة حركات العد وليشعروا به إذا داهمهم. ولم يسبق ذكر للأعراف هنا حتّى تعرّف بلام العهد ، فتعيّن أنّها ما يعهده النّاس في الأسوار. أو يجعل (أل) عوضا عن المضاف إليه : أي وعلى أعراف السّور. وهما وجهان في نظائر هذا التّعريف كقوله تعالى : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤١] وأيّا ما كان فنظم الآية يأبى أن يكون المراد من الأعراف مكانا مخصوصا يتعرّف منه أهل الجنّة وأهل النّار ، إذ لا وجه حينئذ لتعريفه مع عدم سبق الحديث عنه.