الفاء عندهم تفريعا في كلام واحد.
والنّسيان في الموضعين مستعمل مجازا في الإهمال والتّرك لأنّه من لوازم النّسيان ، فإنّهم لم يكونوا في الدّنيا ناسين لقاء يوم القيامة ، فقد كانوا يذكرونه ويتحدّثون عنه حديث من لا يصدّق بوقوعه.
وتعليق الظّرف بفعل : (نَنْساهُمْ) لإظهار أنّ حرمانهم من الرّحمة كان في أشدّ أوقات احتياجهم إليها. فكان لذكر اليوم أثر في إثارة تحسّرهم وندامتهم ، وذلك عذاب نفساني.
ودلّ معنى كاف التّشبيه في قوله : (كَما نَسُوا) على أنّ حرمانهم من رحمة الله كان مماثلا لإهمالهم التّصديق باللّقاء ، وهي مماثلة جزاء العمل للعمل ، وهي مماثلة اعتباريّة ، فلذلك يقال : إنّ الكاف في مثله للتّعليل ، كما في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨] وإنّما التّعليل معنى يتولّد من استعمال الكاف في التّشبيه الاعتباري ، وليس هذا التّشبيه بمجاز ، ولكنّه حقيقة خفيّة لخفاء وجه الشّبه.
وقوله : (كَما نَسُوا) ظرف مستقرّ في موضع الصّفة لموصوف محذوف دلّ عليه (نَنْساهُمْ) أي نسيانا كما نسوا.
و (ما) في : (كَما نَسُوا) وفي (وَما كانُوا) مصدريّة أي كنسيانهم اللّقاء وكجحدهم بآيات الله. ومعنى جحد الآيات تقدّم عند قوله تعالى : (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) في سورة الأنعام [٣٣].
(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢))
الواو في (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ) عاطفة هذه الجملة على جملة (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٥٠] ، عطف القصّة على القصّة ، والغرض على الغرض ، فهو كلام أنف انتقل به من غرض الخبر عن حال المشركين في الآخرة إلى غرض وصف أحوالهم في الدّنيا ، المستوجبين بها لما سيلاقونه في الآخرة ، وليس هو من الكلام الذي عقب الله به كلام أصحاب الجنّة في قوله : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) [الأعراف : ٥١] لأنّ قوله هنا (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) [الأعراف : ٥٣] إلخ ، يقتضي أنّه حديث عن إعراضهم عن القرآن في الدّنيا ، فضمير الغائبين في قوله : (جِئْناهُمْ) عائد إلى الذين كذّبوا في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ)