[الأعراف : ٤٠] الآية.
والمراد بالكتاب القرآن. والباء في قوله : (بِكِتابٍ) لتعدية فعل (جِئْناهُمْ) ، مثل الباء في قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧] فمعناه : أجأناهم كتابا ، أي جعلناه جاء يا إياهم ، فيؤول إلى معنى أبلغناهم إياه وأرسلناه إليهم.
وتأكيد هذا الفعل بلام القسم و (قد) إمّا باعتبار صفة (كتاب) ، وهي جملة (فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً) فيكون التّأكيد جاريا على مقتضى الظّاهر ، لأنّ المشركين ينكرون أن يكون القرآن موصوفا بتلك الأوصاف ، وإمّا تأكيد لفعل (جِئْناهُمْ بِكِتابٍ) وهو بلوغ الكتاب إليهم فيكون التأكيد خارجا على خلاف مقتضى الظاهر ، بتنزيل المبلّغ إليهم منزلة من ينكر بلوغ الكتاب إليهم ، لأنّهم في إعراضهم عن النّظر والتّدبر في شأنه بمنزلة من لم يبلغه الكتاب ، وقد يناسب هذا الاعتبار ظاهر قوله بعد : (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٥٣].
وتنكير (كتاب) ، وهو معروف ، قصد به تعظيم الكتاب ، أو قصد به النّوعيّة ، أي ما هو إلّا كتاب كالكتب التي أنزلت من قبل ، كما تقدّم في قوله تعالى : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) في طالع هذه السّورة [٢].
و (فَصَّلْناهُ) أي بيّناه أي بيّنّا ما فيه ، والتّفصيل تقدّم عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) في سورة الأنعام [٥٥].
و (عَلى عِلْمٍ) ظرف مستقر في موضع الحال من فاعل (فَصَّلْناهُ) أي حال كوننا على علم ، و (على) للاستعلاء المجازي ، تدلّ على التّمكّن من مجرورها ، كما في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] وقوله : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) في سورة الأنعام [٥٧]. ومعنى هذا التّمكن أن علم الله تعالى ذاتي لا يعزب عنه شيء من المعلومات.
وتنكير (عِلْمٍ) للتّعظيم ، أي عالمين أعظم العلم ، والعظمة هنا راجعة إلى كمال الجنس في حقيقته ، وأعظم العلم هو العلم الذي لا يحتمل الخطأ ولا الخفاء أي عالمين علما ذاتيا لا يتخلّف عنّا ولا يختلف في ذاته ، أي لا يحتمل الخطأ ولا التّردّد.
و (هُدىً وَرَحْمَةً) حال من (بِكِتابٍ). أو من ضميره في قوله : (فَصَّلْناهُ). ووصف الكتاب بالمصدرين (هُدىً وَرَحْمَةً) إشارة إلى قوّة هديه النّاس وجلب الرّحمة لهم.