وجملة (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) إشارة إلى أنّ المؤمنين هم الذين توصّلوا للاهتداء به والرحمة. وأن من لم يؤمنوا قد حرموا الاهتداء والرّحمة. وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة [٢] : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣))
جملة (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) مستأنفة استينافا بيانيا ، لأنّ قوله : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يثير سؤال من يسأل : فما ذا يؤخّرهم عن التّصديق بهذا الكتاب الموصوف بتلك الصّفات؟ وهل أعظم منه آية على صدق الرّسول صلىاللهعليهوسلم؟ فكان قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ) كالجواب عن هذا السّؤال ، الذي يجيش في نفس السّامع. والاستفهام إنكاري ولذلك جاء بعده الاستثناء.
ومعنى (يَنْظُرُونَ) ينتظرون من النّظرة بمعنى الانتظار ، والاستثناء من عموم الأشياء المنتظرات ، والمراد المنتظرات من هذا النّوع وهو الآيات ، أي ما ينتظرون آية أعظم إلّا تأويل الكتاب ، أي إلّا ظهور ما توعّدهم به ، وإطلاق الانتظار هنا استعارة تهكميّة : شبه حال تمهّلهم إلى الوقت الذي سيحلّ عليهم فيه ما أوعدهم به القرآن بحال المنتظرين ، وهم ليسوا بمنتظرين ذلك إذ هم جاحدون وقوعه ، وهذا مثل قوله تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) [محمد : ١٨] ـ وقوله ـ (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) [يونس : ١٠٢] والاستثناء على حقيقته وليس من تأكيد الشّيء بما يشبه ضدّه لأنّ المجاز في فعل (يَنْظُرُونَ) فقط.
والقصر إضافي ، أي بالنّسبة إلى غير ذلك من أغراض نسيانهم وجحودهم بالآيات ، وقد مضى القول في نظير هذا التّركيب عند قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) في سورة الأنعام [١٥٨].
والتّأويل توضيح وتفسير ما خفي ، من مقصد كلام أو فعل ، وتحقيقه ، قال تعالى : (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [الكهف : ٧٨] وقال : (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ١٠٠] وقال : (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩] وقد تقدّم اشتقاقه ومعناه في المقدّمة الأولى من مقدّمات هذا التّفسير. وضمير (تَأْوِيلَهُ) عائد إلى (كتاب) من