والحرج حقيقته المكان الضيّق من الغابات الكثيرة الأشجار ، بحيث يعسر السلوك فيه ، ويستعار لحالة النّفس عند الحزن والغضب والأسف ، لأنّهم تخيّلوا للغاضب والآسف ضيقا في صدره لما وجدوه يعسر منه التّنفّس من انقباض أعصاب مجاري النفس ، وفي معنى الآية قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) [هود : ١٢].
و (لِتُنْذِرَ) متعلّق ب (أُنْزِلَ) على معنى المفعول لأجله ، واقترانه بلام التعليل دون الإتيان بمصدر منصوب لاختلاف فاعل العامل وفاعل الإنذار. وجعل الإنذار به مقدّماً في التّعليل لأنّه الغرض الأهم لإبطال ما عليه المشركون من الباطل وما يخلفونه في النّاس من العوائد الباطلة التي تعاني إزالتها من النّاس بعد إسلامهم.
(ذِكْرى) يجوز أن يكون معطوفا على (لِتُنْذِرَ بِهِ) ، باعتبار انسباكه بمصدر فيكون في محلّ جرّ ، ويجوز أن يكون العطف عطف جملة ، ويكون (ذِكْرى) مصدرا بدلا من فعله ، والتّقدير : وذكّر ذكرى للمؤمنين ، فيكون في محلّ نصب فيكون اعتراضاً.
وحذف متعلّق (لِتُنْذِرَ) ، وصرح بمتعلّق (ذِكْرى) لظهور تقدير المحذوف من ذكر مقابله المذكور ، والتّقدير : لتنذر به الكافرين ، وصرح بمتعلّق الذّكرى دون متعلّق (لِتُنْذِرَ) تنويها بشأن المؤمنين وتعريضا بتحقير الكافرين تجاه ذكر المؤمنين.
(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣))
بيان لجملة : (لِتُنْذِرَ بِهِ) [الأعراف : ٢] بقرينة تذييلها بقوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).
فالخطاب موجّه للمشركين ويندرج فيه المسلمون بالأولى ، فبعد أن نوّه الله بالكتاب المنزّل إلى الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، وبيّن أن حكمة إنزاله للإنذار والذّكرى ، أمر النّاس أن يتّبعوا ما أنزل إليهم ، كل يتبع ما هو به أعلق ، والمشركون أنزل إليهم الزّجر عن الشّرك والاحتجاج على ضلالهم ، والمسلمون أنزل إليهم الأمر والنّهي والتّكليف ، فكل مأمور باتّباع ما أنزل إليه ، والمقصود الأجدر هم المشركون تعريضا بأنّهم كفروا بنعمة ربّهم ، فوصف (الرب) هنا دون اسم الجلالة : للتّذكير بوجوب اتّباع أمره ، لأنّ وصف الربوبيّة يقتضي الامتثال لأوامره ، ونهاهم عن اتّباع أوليائهم الذين جعلوهم آلهة دونه ، والموجه إليهم النّهي هم المشركون بقرينة قوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).