فعليّة ، بتقدير : هل يشفع لنا شفعاء كما قدّره الزّجاج ، لعدم الملجئ إلى ذلك ، ولذلك انتصب : (فَنَعْمَلَ) في جواب (نُرَدُّ) كما انتصب (فَيَشْفَعُوا) في جواب (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ).
والمراد بالعمل في قولهم : (فَنَعْمَلَ) ما يشمل الاعتقاد ، وهو الأهم ، مثل اعتقاد الوحدانيّة والبعث وتصديق الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، لأنّ الاعتقاد عمل القلب ، ولأنّه تترتّب عليه آثار عمليّة ، من أقوال وأفعال وامتثال. والمراد بالصّلة في قوله : (الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ما كانوا يعملونه من أمور الدين بقرينة سياق قولهم : (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أي فنعمل ما يغاير ما صممنا عليه بعد مجيء الرّسول عليه الصّلاة والسّلام.
وجملة : (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا تذييلا وخلاصة لقصّتهم ، أي فكان حاصل أمرهم أنّهم خسروا أنفسهم من الآن وضلّ عنهم ما كانوا يفترون.
والخسارة مستعارة لعدم الانتفاع بما يرجى منه النّفع ، وقد تقدّم بيان ذلك عند قوله تعالى : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) في سورة الأنعام ، [١٢] وقوله : (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في أوّل هذه السّورة [٩]. والمعنى : أنّ ما أقحموا فيه نفوسهم من الشّرك والتّكذيب قد تبيّن أنّه مفض بهم إلى تحقّق الوعيد فيهم ، يوم يأتي تأويل ما توعّدهم به القرآن ، فبذلك تحقّق أنّهم خسروا أنفسهم من الآن ، وإن كانوا لا يشعرون.
وأما قوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) فالضّلال مستعار للعدم طريقة التّهكّم شبه عدم شفعائهم المزعومين بضلال الإبل عن أربابها تهكّما عليهم ، وهذا التّهكّم منظور فيه إلى محاكاة ظنّهم يوم القيامة المحكي عنهم في قوله قبل (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) [الأعراف : ٣٧].
و (ما) من قوله : (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) موصولة ، ما صدقها الشّفعاء الذين كانوا يدعونهم من دون الله. وحذف عائد الصّلة المنصوب ، أي ما كانوا يفترونه ، أي يكذبونه إذ يقولون (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) [يونس : ١٨] ، وهم جماد لا حظّ لهم في شئون العقلاء حتى يشفعوا ، فهم قد ضلوا عنهم من الآن ولذلك عبّر بالمضي لأنّ الضّلال المستعار للعدم متحقّق من ماضي الأزمنة.
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ