فيكون أسلوبه وفقا لأسلوب نظيره في قوله (ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الأعراف : ٥٦] وتكون ، الواو للتقسيم بمنزلة (أو) وقد قالوا : إنّها فيه أجود من (أو). ومن المفسّرين من أبقى التّضرع على حقيقته وهو التّذلل ، فيكون مصدرا بمعنى الحال ، أي متذلّلين ، أو مفعولا مطلقا ل (ادْعُوا) ، لأنّ التّذلّل بعض أحوال الدّعاء فكأنّه نوع منه ، وجعلوا قوله: (وَخُفْيَةً) مأمورا به مقصودا بذاته ، أي ادعوه مخفين دعاءكم ، حتّى أوهم كلام بعضهم أنّ الإعلان بالدّعاء منهي عنه أو غير مثوب عليه ، وهذا خطأ : فإنّ النّبيءصلىاللهعليهوسلم دعا علنا غير مرّة. وعلى المنبر بمسمع من النّاس وقال : «اللهمّ اسقنا» وقال : «اللهمّ حوالينا ولا علينا» وقال : «اللهمّ عليك بقريش» الحديث. وما رويت أدعيته إلّا لأنّه جهر بها يسمعها من رواها ، فالصّواب أنّ قوله : (تَضَرُّعاً) إذن بالدّعاء بالجهر والإخفاء ، وأمّا ما ورد من النّهي عن الجهر فإنّما هو عن الجهر الشّديد الخارج عن حدّ الخشوع. وقرأ الجمهور (وَخُفْيَةً) ـ بضمّ الخاء ـ وقرأه أبو بكر ـ بكسر الخاء ـ وتقدّم في الأنعام.
وجملة (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) واقعة موقع التّعليل للأمر بالدّعاء ، إشارة إلى أنّه أمر تكريم للمسلمين يتضمّن رضى الله عنهم ، ولكن سلك في التّعليل طريق إثبات الشّيء بإبطال ضدّه ، تنبيها على قصد الأمرين وإيجازا في الكلام. ولكون الجملة واقعة موقع التّعليل افتتحت ب (إنّ) المفيدة لمجرّد الاهتمام ، بقرينة خلو المخاطبين عن التّردد في هذا الخبر ، ومن شأن (إنّ) إذا جاءت على هذا الوجه أن تفيد التّعليل والرّبط ، وتقوم مقام الفاء ، كما نبّه عليه الشّيخ عبد القاهر.
وإطلاق المحبّة وصفا لله تعالى ، في هذه الآية ونحوها ، إطلاق مجازي مراد بها لازم معنى المحبّة ، بناء على أنّ حقيقة المحبّة انفعال نفساني ، وعندي فيه احتمال ، فقالوا : أريد لازم المحبّة ، أي في المحبوب والمحب ، فيلزمها اتّصاف المحبوب بما يرضي المحب لتنشأ المحبّة التي أصلها الاستحسان ، ويلزمها رضى المحب عن محبوبه وإيصال النّفع له. وهذان اللّازمان متلازمان في أنفسهما. فإطلاق المحبّة وصفا لله مجاز بهذا اللّازم المركب.
والمراد ب (الْمُعْتَدِينَ) : المشركون ، لأنّ يرادف الظّالمين.
والمعنى : ادعوا ربّكم لأنّه يحبّكم ولا يحبّ المعتدين ، كقوله : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر : ٦٠] تعريض