هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) كما في سورة الأنعام [١٣٦] ، وعلى تلك الاعتبارات يجري التّقدير في قوله : (أَوْلِياءَ) أي لا تمتثلوا للأولياء أو أمرهم أو لدعاة الأولياء وسدنتهم.
ويجوز أن يكون الاتّباع مستعارا للطّلب والاتّخاذ ، أي ولا تتّخذوا أولياء غيره نحو قولهم : هو يتّبع زلة فلان. وفي الحديث : «يتّبع بها شعف الجبال ومواقع القطر» أي يتطلبها.
و (من) في قوله : (مِنْ دُونِهِ) ابتدائيّة ، و (دون) ظرف للمكان المجاوز المنفصل ، وقد جرّ بمن الجارة للظروف ، وهو استعارة للترك والإعراض. والمجرور في موضع الحال من فاعل (تَتَّبِعُوا) ، أي لا تتّبعوا أولياء متّخذينها دونه ، فإنّ المشركين وإن كانوا قد اعترفوا لله بالإلهيّة واتبعوا أمره بزعمهم في كثير من أعمالهم : كالحج ومناسكه ، والحلف باسمه ، فهم أيضا اتّبعوا الأصنام بعبادتها أو نسبة الدّين إليها ، فكلّ عمل تقرّبوا به إلى الأصنام ، وكلّ عمل عملوه امتثالا لأمر ينسب إلى الأصنام ، فهم عند عمله يكونون متّبعين اتّباعا فيه اعراض عن الله وترك للتّقرب إليه ، فيكون اتّباعا من دون الله ، فيدخل في النّهي ، وبهذا النّهي قد سدت عليهم أبواب الشّرك وتأويلاته كقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] فقد جاء قوله : (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) في أعلى درجة من الإيجاز واستيعاب المقصود.
وأفاد مجموع قوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) مفاد صيغة قصر ، كأنّه قال : لا تتّبعوا إلّا ما أمر به ربّكم ، أي دون ما يأمركم به أولياؤكم ، فعدل عن طريق القصر لتكون جملة : (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) مستقلّة صريحة الدّلالة اهتماما بمضمونها على نحو قول السّموأل أو الحارثي :
تسيل على حد الظّبات نفوسنا |
|
وليست على غير الظبات تسيل |
وجملة : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) هي في موضع الحال من (لا تَتَّبِعُوا) ، وهي حال سببيّة وكاشفة لصاحبها ، وليست مقيّدة للنّهي : لظهور أنّ المتّبعين أولياء من دون الله ليسوا إلّا قليلي التذكر. ويجوز جعل الجملة اعتراضا تذييليا. ولفظ (قليلا) يجوز أن يحمل على حقيقته لأنّهم قد يتذكّرون ثمّ يعرضون عن التّذكّر في أكثر أحوالهم فهم في غفلة معرضون ، ويجوز أن يكون (قليلا) مستعارا لمعنى النّفي والعدم على وجه التّلميح كقوله تعالى : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٨٨] (فإنّ الإيمان لا يوصف بالقلّة والكثرة).