والإشارة بقوله : (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) إلى تفنّن الاستدلال بالدّلائل الدّالة على عظيم القدرة المقتضية الوحدانيّة ، والدّالة أيضا على وقوع البعث بعد الموت ، والدّالة على اختلاف قابليّة النّاس للهدى والانتفاع به بالاستدلال الواضح البيّن المقرّب في جميع ذلك ، فلذلك تصريف أي تنويع وتفنين للآيات أي الدّلائل.
والمراد بالقوم الذين يشكرون : المؤمنون : تنبيها على أنّهم مورد التّمثيل بالبلد الطّيب ، وأنّ غيرهم مورد التّمثيل بالبلد الخبيث ، وهذا كقوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣].
(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩))
استئناف انتقل به الغرض من إقامة الحجّة والمنّة (المبتدئة بقوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) [الأعراف : ١٠] ، وتنبيه أهل الضّلالة أنّهم غارقون في كيد الشّيطان ، الذي هو عدوّ نوعهم ، من قوله : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ـ إلى قوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ١٦ ـ ٣٣] ، ثمّ بالتّهديد بوصف عذاب الآخرة وأحوال النّاس فيه ، وما تخلّل ذلك من الأمثال والتّعريض) ؛ إلى غرض الاعتبار والموعظة بما حلّ بالأمم الماضية. فهذا الاستئناف له مزيد اتّصال بقوله في أوائل السّورة [٤] : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) الآية ، وقد أفيض القول فيه في معظم السّورة وتتبع هذا الاعتبار أغراض أخرى : وهي تسلية الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، وتعليم أمّته بتاريخ الأمم التي قبلها من الأمم المرسل إليهم ، ليعلم المكذّبون من العرب أنّ لا غضاضة على محمّد صلىاللهعليهوسلم ولا على رسالته من تكذيبهم ، ولا يجعله ذلك دون غيره من الرّسل ، بله أن يؤيّد زعمهم أنّه لو كان صادقا في رسالته لأيّده الله بعقاب مكذّيبه (لما قالوا على سبيل التّهكّم أو الحجاج : «اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم»). وليعلم أهل الكتاب وغيرهم أنّ ما لقيه محمّد صلىاللهعليهوسلم من قومه هو شنشنة أهل الشّقاوة تلقاء دعوة رسل الله. وأكّد هذا الخبر بلام القسم وحرف التّحقيق لأنّ الغرض من هذه الأخبار تنظير أحوال الأمم المكذّبة رسلها بحال مشركي العرب في تكذيبهم رسالة محمّد صلىاللهعليهوسلم.
وكثر في الكلام اقتران جملة جواب القسم : بقد لأنّ القسم يهيئ نفس السّامع