وعلى الوجه الثّاني يكون استئنافا بيانيا للأمر بالإقلاع عن عبادة غيره.
وقرأ الجمهور (غَيْرُهُ) بالرّفع على الصّفة (لإله) باعتبار محلّه لأنّه في محلّ رفع إذ هو مبتدأ وإنّما جرّ لدخول حرف الجرّ الزائد ولا يعتد بجرّه ، وقرأه الكسائي ، وأبو جعفر : بجرّ غير على النّعت للّفظ (إلاه) نظرا لحرف الجر الزّائد.
وجملة : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ) يجوز أن تكون في موقع التّعليل ، كما في «الكشاف» : أي لمضمون قوله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) كأنّه قيل : اتركوا عبادة غير الله خوفا من عذاب يوم عظيم ، وبني نظم الكلام على خوف المتكلّم عليهم ، دلالة على إمحاضه النّصح لهم وحرصه على سلامتهم ، حتّى جعل ما يضر بهم كأنّه يضرّ به ، فهو يخافه كما يخافون على أنفسهم ، وذلك لأنّ قوله هذا كان في مبدأ خطابهم بما أرسل به ، ويحتمل أنّه قاله بعد أن ظهر منهم التّكذيب : أي إن كنتم لا تخافون عذابا فإنّي أخافه عليكم ، وهذا من رحمة الرّسل بقومهم.
وفعل الخوف يتعدّى بنفسه إلى الشّيء المخوف منه ، ويتعدّى إلى مفعول ثان بحرف (على) إذا كان الخوف من ضر يلحق غير الخائف ، كما قال الأحوص :
فإذا تزول تزول على متخمّط |
|
تخشى بوادره على الأقران |
ويجوز أن تكون مستأنفة ثانية بعد جملة (اعْبُدُوا اللهَ) لقصد الإرهاب والإنذار ، ونكتة بناء نظم الكلام على خوف المتكلّم عليهم هي هي.
والعذاب المخوف ويومه يحتمل أنّهما في الآخرة أو في الدّنيا ، والأظهر الأوّل لأنّ جوابهم بأنّه في ضلال مبين يشعر بأنّهم أحالوا الوحدانية وأحالوا البعث كما يدلّ عليه قوله في سورة نوح [١٧ ، ١٨] : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) فحالهم كحال مشركي العرب لأنّ عبادة الأصنام تمحّض أهلها للاقتصار على أغراض الدّنيا.
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠))
فصلت جملة (قالَ) على طريقة الفصل في المحاورات ، واقترن جوابهم بحرف التّأكيد للدّلالة على أنّهم حقّقوا وأكّدوا اعتقادهم أنّ نوحا منغمس في الضّلالة. (الْمَلَأُ) مهموز بغير مدّ : الجماعة الذين أمرهم واحد ورأيهم واحد لأنّهم يمالئ بعضهم بعضا ،