استنزالا لطائر نفوسهم ممّا سيعقب النّداء من الرد عليهم وإبطال قولهم (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الأعراف : ٦٠].
والضّلالة مصدر مثل الضّلال ، فتأنيثه لفظي محض ، والعرب يستشعرون التّأنيث غالبا في أسماء أجناس المعاني ، مثل الغواية والسّفاهة ، فالتّاء لمجرّد تأنيث اللّفظ وليس في هذه التّاء معنى الوحدة لأنّ أسماء أجناس المعاني لا تراعى فيها المشخّصات ، فليس الضّلال بمنزلة اسم الجمع للضّلالة ، خلافا لما في «الكشاف» ، وكأنّه حاول إثبات الفرق بين قول قومه له (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ) [الأعراف : ٦٠] ، وقوله هو : (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) وتبعه فيه الفخر ، وابن الأثير في «المثل السّائر» ، وقد تكلّف لتصحيحه التفتازانيّ ، ولا حاجة إلى ذلك ، لأنّ التّخالف بين كلمتي ضلال وضلالة اقتضاه التّفنّن حيث سبق لفظ ضلال ، وموجب سبقه إرادة وصفه ب (مُبِينٍ) [الأعراف : ٦٠] ، فلو عبّر هنالك بلفظ ضلالة لكان وصفها بمبيّنة غير مألوف الاستعمال ، ولما تقدّم لفظ (ضَلالٍ) [الأعراف : ٦٠] استحسن أن يعاد بلفظ يغايره في السّورة دفعا لثقل الإعادة ؛ فقوله : (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) ردّ لقولهم : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الأعراف : ٦٠] بمساويه لا بأبلغ منه.
والباء في قوله : (بِي) للمصاحبة أو الملابسة ، وهي تناقض معنى الظرفية المجازية من قولهم (فِي ضَلالٍ) [الأعراف : ٦٠] فإنّهم جعلوا الضّلال متمكّنا منه ، فنفى هو أن يكون للضّلال متلبّس به.
وتجريد (لَيْسَ) من تاء التّأنيث مع كون اسمها مؤنّث اللّفظ جرى على الجواز في تجريد الفعل من علامة التّأنيث ، إذا كان مرفوعه غير حقيقي التّأنيث ، ولمكان الفصل بالمجرور.
والاستدراك الذي في قوله (وَلكِنِّي رَسُولٌ) لرفع ما توهّموه من أنّه في ضلال حيث خالف دينهم ، أي هو في حال رسالة عن الله ، مع ما تقتضي الرّسالة من التّبليغ والنّصح والإخبار بما لا يعلمونه ، وذلك ما حسبوه ضلالا ، وشأن (لكن) أن تكون جملتها مفيدة معنى يغاير معنى الجملة الواقعة قبلها ، ولا تدلّ عليه الجملة السّابقة وذلك هو حقيقة الاستدراك الموضوعة له (لكنّ) فلا بد من مناسبة بين مضموني الجملتين : إما في المسند نحو (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) [الأنفال : ٤٣] أو في المسند إليه نحو (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] فلا يحسن أن تقول : ما سافرت ولكنّي مقيم ، وأكثر وقوعها بعد جملة منفية ، لأنّ النّفي معنى واسع ، فيكثر أن