والتّذكّر مصدر الذّكر ـ بضمّ الذال ـ وهو حضور الصورة في الذّهن.
وقليل مستعمل في العدم على طريقة التّهكّم بالمضيع للأمر النّافع يقال له : إنّك قليل الإتيان بالأمر النّافع ، تنبيها له على خطئه ، وإنّه إن كان في ذلك تفريط فلا ينبغي أن يتجاوز حدّ التّقليل دون التّضييع له كلّه.
و (ما) مصدريّة والتّقدير : قليلا تذكّركم ، ويجوز أن يكون (قَلِيلاً) صفة مصدر محذوف دلّ عليه (تَذَكَّرُونَ) و (ما) مزيدة لتوكيد القلّة ، أي نوع قلّة ضعيف ، نحو قوله تعالى : (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) [البقرة : ٢٦]. وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) في سورة البقرة [٨٨]. والمعنى : لو تذكّرتم لما اتّبعتم من دونه أولياء ولما احتجتم إلى النّهي عن أن تتّبعوا من دونه أولياء وهذا نداء على إضاعتهم النّظر والاستدلال في صفات الله وفي نقائص أوليائهم المزعومين.
وقرأ الجمهور : (ما تَذَكَّرُونَ) ـ بفوقية واحدة وتشديد الذال ـ على أنّ أصله تتذكّرون بتاءين فوقيتين فقلبت ثانيتهما ذالا لتقارب مخرجيهما ليتأتى تخفيفه بالإدغام.
وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف ـ بتخفيف الذال ـ على حذف إحدى التاءين اختصارا. وقرأه ابن عامر : يتذكرون ـ بتحتيّة في أوّله ثمّ فوقيّة ـ ، والضّمير عائد إلى المشركين على طريقة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، أعرض عنهم ووجّه الكلام على غيرهم من السّامعين : إلى النّبيء صلىاللهعليهوسلم والمسلمين.
[٤ ، ٥] (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥))
عطف على جملة : (وَلا تَتَّبِعُوا) [الأعراف : ٣] وهذا الخبر مستعمل في التّهديد للمشركين الذين وجه إليهم التّعريض في الآية الأولى والذين قصدوا من العموم. وقد ثلث هنا بتمحيض التّوجيه إليهم.
وإنّما خصّ بالذّكر إهلاك القرى ، دون ذكر الأمم كما في قوله : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) [الحاقة : ٥ ، ٦] ، لأنّ المواجهين بالتّعريض هم أهل مكّة وهي أمّ القرى ، فناسب أن يكون تهديد أهلها بما أصاب القرى وأهلها ولأنّ تعليق فعل (أَهْلَكْناها) بالقرية دون أهلها لقصد الإحاطة والشّمول ، فهو مغن عن أدوات