صورا محسوسة ، فأراد الله إصلاح البشر وتهذيب إدراكهم ، فأرسل إليهم نوحا فآمن به قليل من قومه وكفر به جمهورهم ، فأراد الله انتخاب الصّالحين من البشر الذين قبلت عقولهم الهدى ، وهم نوح ومن آمن به ، واستيصال الذين تمكّنت الضّلالة من عقولهم لينشئ من الصّالحين ذريّة صالحة ويكفي الإنسانيّة فساد الضّالين ، كما قال نوح : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح : ٢٧] ، فكانت بعثة نوح وما طرأ عليها تجديدا لصلاح البشر وانتخابا للأصلح.
[٦٥ ، ٦٦] (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦))
يجوز أن يكون العطف من عطف الجمل بأن يقدّر بعد واو العطف «أرسلنا» لدلالة حرف (إلى) عليه ، مع دلالة سبق نظيره في الجملة المعطوف عليها ، والتّقدير وأرسلنا إلى عاد ، فتكون الواو لمجرّد الجمع اللّفظي من عطف القصّة على القصّة وليس من عطف المفردات ، ويجوز أن يكون من عطف المفردات : عطفت الواو (هُوداً) على (نُوحاً) [الأعراف : ٥٩] ، فتكون الواو نائية عن العامل وهو (أَرْسَلْنا) [الأعراف: ٥٩] ، والتّقدير : «لقد أرسلنا نوحا إلى قومه وهودا أخا عاد إليهم وقدمت (إلى) فهو من العطف على معمولي عامل واحد ، وتقديم (إلى) اقتضاه حسن نظم الكلام في عود الضّمائر ، والوجه الأوّل أحسن.
وقدّم المجرور على المفعول الأصلي ليتأتى الإيجاز بالإضمار حيث أريد وصف هود بأنّه من إخوة عاد ومن صميمهم ، من غير احتياج إلى إعادة لفظ عاد ، ومع تجنّب عود الضّمير على متأخر لفظا ورتبة ، فقيل وإلى عاد أخاهم هودا و (هُوداً) بدل أو بيان من (أَخاهُمْ).
وعاد أمّة عظيمة من العرب العاربة البائدة ، وكانوا عشر قبائل ، وقيل ثلاث عشرة قبيلة وهم أبناء عاد بن عوص ، وعوص هو ابن إرم بن سام بن نوح ، كذا اصطلح المؤرّخون.
وهود اختلف في نسبه ، فقيل : هو من ذرّية عاد ، فقال القائلون بهذا : هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد ، وقيل : هو من ذرّية سام جدّ عاد ، وليس من ذرّية عاد ،