والقائلون بهذا قالوا هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ، وذكر البغوي عن علي : أنّ قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر ، وعن عبد الرّحمن بن سابط : أنّ قبر هود بين الرّكن والمقام وزمزم.
وعاد أريد به القبيلة وساغ صرفه لأنه ثلاثي ساكن الوسط ، وكانت منازل عاد ببلاد العرب بالشّحر ـ بكسر الشّين المعجمة وسكون الحاء المهملة ـ من أرض اليمن وحضر موت وعمان والأحقاف ، وهي الرّمال التي بين حضر موت وعمان.
والأخ هنا مستعمل في مطلق القريب ، على وجه المجاز المرسل ومنه قولهم يا أخا العرب ، وقد كان هود من بني عاد ، وقيل : كان ابن عم إرم ، ويطلق الأخ مجازا أيضا على المصاحب الملازم ، كقولهم : هو أخو الحرب ، ومنه (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) [الإسراء : ٢٧] ـ وقوله ـ (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) [الأعراف : ٢٠٢]. فالمراد أنّ هودا كان من ذوي نسب قومه عاد ، وإنّما وصف هود وغيره بذلك ، ولم يوصف نوح بأنّه أخ لقومه : لأنّ النّاس في زمن نوح لم يكونوا قد انقسموا شعوبا وقبائل ، والعرب يقولون : للواحد من القبيلة : أخو بني فلان ، قصدا لعزوه ونسبته تمييزا للنّاس إذ قد يشتركون في الأعلام ، ويؤخذ من هذه الآية ونظائرها أنّ نظام القبائل ما حدث إلّا بعد الطّوفان.
وفصلت جملة : (قالَ يا قَوْمِ) ولم تعطف بالفاء كما عطف نظيرها المتقدّم في قصّة نوح ؛ لأنّ الحال اقتضى هنا أن تكون مستأنفة استئنافا بيانيا لأنّ قصّة هود لما وردت عقب قصّة نوح المذكور فيها دعوته قومه صار السّامع مترقبا معرفة ما خاطب به هود قومه حيث بعثه الله إليهم ، فكان ذلك مثار سؤال في نفس السّامع أن يقول : فما ذا دعا هود قومه وبما ذا أجابوا؟ فيقع الجواب بأنّه قال : يا قوم اعبدوا الله إلخ مع ما في هذا الاختلاف من التّفنّن في أساليب الكلام ، ولأنّ الفعل المفرع عنه القول بالعطف لما كان محذوفا لم يكن التّفريع حسنا في صورة النّظم.
والرّبط بين الجمل حاصل في الحالتين لأنّ فاء العطف رابط لفظي للمعطوف بالمعطوف عليه ، وجواب السؤال رابط جملة الجواب بجملة مثار السؤال ربطا معنويا.
وجملة : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) مستأنفة ابتدائية. وقد شابهت دعوة هود قومه دعوة نوح قومه في المهم من كلامها : لأنّ الرّسل مرسلون من الله والحكمة من الإرسال واحدة ، فلا جرم أن تتشابه دعواتهم ، وفي الحديث : «الأنبياء أبناء علّات» وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى