وَعِيسى) [الشورى : ١٣].
وجملة : (أَفَلا تَتَّقُونَ) استفهامية إنكارية معطوفة بفاء التّفريع على جملة : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ). والمراد بالتّقوى الحذر من عقاب الله تعالى على إشراكهم غيره في العبادة واعتقاد الإلهيّة. وفيه تعريض بوعيدهم إن استمروا على ذلك. وإنّما ابتدأ بالإنكار عليهم إغلاظا في الدّعوة وتهويلا لفظاعة الشّرك ، إن كان قال ذلك في ابتداء دعوته ، ويحتمل أنّ ذلك حكاية قول من أقواله في تكرير الدّعوة بعد أن دعاهم المرّة بعد المرة ووعظهم ، كما قال نوح (إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) [نوح : ٥] كما اقتضاه بعض توجيهات تجريد حكاية كلامه عن فاء التّفريع المذكور آنفا.
ووصف الملإ ب (الَّذِينَ كَفَرُوا) هنا ، دون ما في قصّة نوح ، وصف كاشف وليس للتّقييد تفنّنا في أساليب الحكاية ألا ترى أنّه قد وصف ملأ قوم نوح ب (الَّذِينَ كَفَرُوا) في آية سورة هود ، والتّوجيه الذي في «الكشاف» هنا غفلة عمّا في سورة هود.
والرّؤية قلبيّة ، أي أنّا لنعلم أنّك في سفاهة.
والسّفاهة سخافة العقل ، وقد تقدّم القول في هذه المادة عند قوله تعالى : (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) [البقرة : ١٣] ـ وقوله ـ (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) في سورة البقرة [١٣٠]. جعلوا قوله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) كلاما لا يصدر إلّا عن مختل العقل لأنّه من قول المحال عندهم.
وأطلقوا الظنّ على اليقين في قولهم : (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) وهو استعمال كثير كما في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) وقد تقدّم في سورة البقرة [٤٦] ، وأرادوا تكذيبه في قوله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) ، وفيما يتضمّنه قوله ذلك من كونه رسولا إليهم من الله.
وقد تشابهت أقوال قوم هود وأقوال قوم نوح في تكذيب الرّسول لأنّ ضلالة المكذّبين متّحدة ، وشبهاتهم متّحدة ، كما قال تعالى : (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [البقرة : ١١٨] فكأنّهم لقّن بعضهم بعضا كما قال تعالى : (أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الذاريات : ٥٣].
[٦٧ ، ٦٨] (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨))