الشّمول ، فالسّامع يعلم أنّ المراد من القرية أهلها لأنّ العبرة والموعظة إنّما هي بما حصل لأهل القرية ، ونظيرها قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) [يوسف : ٨٢] ونظيرهما معا قوله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء : ٦] ، فكلّ هذا من الإيجاز البديع ، والمعنى على تقدير المضاف ، وهو تقدير معنى.
وأجرى الضّميران في قوله : (أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) على الإفراد والتّأنيث مراعاة للفظ قرية ، ليحصل التماثل بين لفظ المعاد ولفظ ضميره في كلام متّصل القرب ، ثمّ أجريت ضمائر القرية على صيغة الجمع في الجملة المفرعة عن الأولى في قوله : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ) إلخ لحصول الفصل بين الضّمير ولفظ معاده بجملة فيها ضمير معاده غير لفظ القرية ، وهو (بَأْسُنا بَياتاً) لأنّ (بياتا) متحمّل لضمير البأس ، أي مبيّتا لهم ، وانتقل منه إلى ضمير القرية باعتبار أهلها فقال : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ). و (كم) اسم حال على عدد كثير وهو هنا خبر عن الكثرة وتقدّم في أوّل سورة الأنعام.
والإهلاك : الإفناء والاستئصال. وفعل (أَهْلَكْناها) يجوز أن يكون مستعملا في معنى الإرادة بحصول مدلوله ويجوز أن يكون مستعملا في ظاهر معناه.
والفاء في قوله : (فَجاءَها بَأْسُنا) عاطفة جملة : (فَجاءَها بَأْسُنا) على جملة : (أَهْلَكْناها) ، وأصل العاطفة أن تفيد ترتيب حصول معطوفها بعد حصول المعطوف عليه ، ولما كان مجيء البأس حاصلا مع حصول الإهلاك أو قبله ، إذ هو سبب الإهلاك ، عسر على جمع من المسفّرين معنى موقع الفاء هنا ، حتّى قال الفرّاء إنّ الفاء لا تفيد التّرتيب مطلقا ، وعنه أيضا إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدّمت أيّهما شئت مثل شتمني فأساء وأساء فشتمني. وعن بعضهم أنّ الكلام جرى على طريقة القلب ، والأصل : جاءها بأسنا فأهلكناها ، وهو قلب خلي عن النّكتة فهو مردود ، والذي فسّر به الجمهور : أنّ فعل (أهلكناها) مستعمل في معنى إرادة الفعل كقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [النحل : ٩٨] وقوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] الآية أي فإذا أردت القراءة ، وإذا أردتم القيام إلى الصّلاة ، واستعمال الفعل في معنى إرادة وقوع معناه من المجاز المرسل عند السكاكي قال : ومن أمثلة المجاز قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [النحل : ٩٨] استعمل (قَرَأْتَ) مكان أردت القراءة لكون القراءة مسبّبة عن إرادتها استعمالا مجازيا بقرينة الفاء في (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ، وقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ