والفاء في قوله : (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) فصيحة ، أي : إن ذكرتم وقت جعلكم الله خلفاء في الأرض ووقت زادكم بصطة فاذكروا نعمه الكثيرة تفصيلا ، فالكلام جاء على طريقه القياس من الاستدلال بالجزئي على إثبات حكم كلي ، فإنّه ذكرهم بنعمة واضحة وهي كونهم خلفاء ونعم مجملة وهي زيادة بصطتهم ، ثمّ ذكّرهم بقية النّعم بلفظ العموم وهو الجمع المضاف.
والآلاء جمع (إلى) ، والإلى : النّعمة ، وهذا مثل جمع عنب على أعناب ، ونظيره جمع إنى بالنّون ، وهو الوقت ، على آناء قال تعالى : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الأحزاب : ٥٣] أي وقته ، وقال (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ) [طه : ١٣٠].
ورتب على ذكر نعم الله رجاء أن يفلحوا لأنّ ذكر النّعم يؤدّي إلى تكرير شكر المنعم ، فيحمل المنعم عليه على مقابلة النّعم بالطّاعة.
[٧٠ ، ٧١] (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١))
جاوبوا هودا بما أنبأ عن ضياع حجّته في جنب ضلالة عقولهم ومكابرة نفوسهم ، ولذلك أعادوا تكذيبه بطريق الاستفهام الإنكاري على دعوته للتّوحيد ، وهذا الجواب أقلّ جفوة وغلظة من جوابهم الأوّل ، إذ قالوا : (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [الأعراف : ٦٦] كأنّهم راموا استنزل نفس هود ومحاولة إرجاعه عمّا دعاهم إليه ، فلذلك اقتصروا على الإنكار وذكروه بأنّ الأمر الذي أنكره هو دين آباء الجميع تعريضا بأنّه سفّه آباءه ، وهذا المقصد هو الذي اقتضى التّعبير عن دينهم بطريق الموصولية في قولهم : (ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) إيماء إلى وجه الإنكار عليه وإلى أنه حقيق بمتابعة دين آبائه ، كما قال الملأ من قريش لأبي طالب حين دعاه النّبيء صلىاللهعليهوسلم أن يقول : «لا إله إلا الله» عند احتضاره فقالوا لأبي طالب : «أترغب عن ملّة عبد المطّلب».
واجتلاب (كان) لتدلّ على أن عبادتهم أمر قديم مضت عليه العصور.
والتّعبير بالفعل وكونه مضارعا في قوله : (يَعْبُدُ) ليدلّ على أنّ ذلك متكرّر من آبائهم ومتجدّد وأنّهم لا يفترون عنه.