وجملة : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) إلخ ، هي من مقول صالح في وقت غير الوقت الذي ابتدأ فيه بالدّعوة ، لأنّه قد طوي هنا جواب قومه وسؤالهم إياه آية كما دلّت عليه آيات سورة هود وسورة الشّعراء ، ففي سورة هود [٦١ ، ٦٢] : (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) الآية. وفي سورة الشّعراء [١٥٣ ـ ١٥٥] : (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ) الآية.
فجملة : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) تعليل لجملة : (اعْبُدُوا اللهَ) ، أي اعبدوه وحده لأنّه جعل لكم آية على تصديقي فيما بلغت لكم ، وعلى انفراده بالتّصرف في المخلوقات.
وقوله : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ) يقتضي أن النّاقة كانت حاضرة عند قوله : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) لأنّها نفس الآية.
والبيّنة : الحجّة على صدق الدّعوى ، فهي ترادف الآية ، وقد عبّر بها عن الآية في قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ١].
و (هذِهِ) إشارة إلى النّاقة التي جعلها الله آية لصدق صالح ولما كانت النّاقة هي البيّنة كانت جملة : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) منزّلة من التي قبلها منزلة عطف البيان.
وقوله : (آيَةً) حال من اسم الإشارة في قوله : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ) لأنّ اسم الإشارة فيه معنى الفعل ، واقترانه بحرف التّنبيه يقوي شبهه بالفعل ، فلذلك يكون عاملا في الحال بالاتّفاق ، وتقدّم عند قوله : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ) في سورة آل عمران [٥٨] ، وسنذكر قصّة في هذا عند تفسير قوله تعالى : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) في سورة هود [٧٢].
وأكّدت جملة : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ) ، وزادت على التّأكيد إفادة ما اقتضاه قوله (لَكُمْ) من التّخصيص وتثبيت أنّها آية ، وذلك معنى اللّام ، أي هي آية مقنعة لكم ومجعولة لأجلكم.
فقوله : (لَكُمْ) ظرف مستقرّ في موضع الحال من (آيَةً) ، وأصله صفة فلمّا قدم على موصوفه صار حالا ، وتقديمه للاهتمام بأنّها كافية لهم على ما فيهم من عناد.