ومحلّ الامتنان هو أن جعل منازلهم قسمين : قسم صالح للبناء فيه ، وقسم صالح لنحت البيوت ، قيل : كانوا يسكنون في الصّيف القصور ، وفي الشّتاء البيوت المنحوتة في الجبال.
وتفريع الأمر بذكر آلاء الله على قوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ) تفريع الأعم على الأخصّ ، لأنّه أمرهم بذكر نعمتين ، ثمّ أمرهم بذكر جميع النّعم التي لا يحصونها ، فكان هذا بمنزلة التّذييل.
وفعل : (فَاذْكُرُوا) مشتقّ من المصدر ، الذي هو بضمّ الذّال ، وهو التذكّر بالعقل والنّظر النّفساني ، وتذكّر الآلاء يبعث على الشّكر والطّاعة وترك الفساد ، فلذلك عطف نهيهم عن الفساد في الأرض على الأمر بذكر آلاء الله.
(وَلا تَعْثَوْا) معناه ولا تفسدوا ، يقال : عثي كرضي ، وهذا الأفصح ، ولذلك جاء في الآية ـ بفتح الثّاء ـ حين أسند إلى واو الجماعة ، ويقال عثا يعثو ـ من باب سما ـ عثوا وهي لغة دون الأولى ، وقال كراع ، كأنّه مقلوب عاث. والعثي والعثو كلّه بمعنى أفسد أشدّ الإفساد.
ومفسدين حال مؤكّدة لمعنى (تَعْثَوْا) وهو وإن كان أعمّ من المؤكّد فإنّ التّأكيد يحصل ببعض معنى المؤكّد.
[٧٥ ، ٧٦] (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦))
عدل الملأ الّذين استكبروا عن مجادلة صالح عليهالسلام إلى اختبار تصلّب الذين آمنوا به في إيمانهم ، ومحاولة إلقاء الشكّ في نفوسهم ، ولما كان خطابهم للمؤمنين مقصودا به إفساد دعوة صالح عليهالسلام كان خطابهم بمنزلة المحاورة مع صالح عليهالسلام ، فلذلك فصلت جملة حكاية قولهم على طريقة فصل جمل حكاية المحاورات ، كما قدّمناه غير مرّة آنفا وفيما مضى.
وتقدّم تفسير الملأ قريبا.
ووصفهم بالذين استكبروا هنا لتفظيع كبرهم وتعاظمهم على عامة قومهم واستذلالهم