وقال الشّافعي : يحدّ حدّ الزّاني : فإن كان محصنا فحدّ المحصن ، وإن كان غير محصن فحدّ غير المحصن. كذا حكاه القرطبي. وقال ابن هبيرة الحنبلي ، في كتاب «اختلاف الأئمّة» : إنّ للشّافعي قولين : أحدهما هذا ، والآخر أنّه يرجم بكلّ حال ، ولم يذكر له ترجيحا ، وقال الغزالي ، في «الوجيز» : «للواط يوجب قتل الفاعل والمفعول على قول ، والرّجم بكلّ حال على قول ، والتّعزير على قول ، وهو كالزّنى على قول» وهذا كلام غير محرّر.
وفي كتاب «اختلاف الأئمّة» لابن هبيرة الحنبلي : أن أظهر الرّوايتين عن أحمد أنّ في اللّواط الرّجم بكلّ حال ، أي محصنا كان أو غير محصن ، وفي رواية عنه أنّه كالزّنى ، وقال ابن حزم ، في «المحلى» : إنّ مذهب داود وجميع أصحابه أنّ اللّوطي يجلد دون الحد ، ولم يصرّح ، فيما نقلوا عن أبي حنيفة وصاحبيه ، ولا عن أحد ، ولا الشّافعي بمساواة الفاعل والمفعول به في الحكم إلّا عند مالك ، ويؤخذ من حكاية ابن حزم في «المحلّى» : أنّ أصحاب المذاهب المختلفة في تعزير هذه الفاحشة لم يفرّقوا بين الفاعل والمفعول إلّا قولا شاذا لأحد فقهاء الشّافعيّة رأى أنّ المفعول أغلظ عقوبة من الفاعل.
وروى أبو داود والتّرمذي ، عن عكرمة عن ابن عبّاس ، والتّرمذيّ عن أبي هريرة ، وقال في إسناده ، مقال عن النّبيء صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» وهو حديث غريب (لم يرو عن غير عكرمة عن ابن عبّاس) وقد علمت استشارة أبي بكر في هذه الجريمة ، ولو كان فيها سند صحيح لظهر يومئذ.
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢))
عطفت جملة : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) على جملة : (قالَ لِقَوْمِهِ) [الأعراف : ٨٠]. والتّقدير : وإذ ما كان جواب قومه إلّا أن قالوا إلخ ، والمعنى : أنّهم أفحموا عن ترويج شنعتهم والمجادلة في شأنها ، وابتدروا بالتّآمر على إخراج لوط عليهالسلام وأهله من القرية ، لأنّ لوطا عليهالسلام كان غريبا بينهم وقد أرادوا الاستراحة من إنكاره عليهم شأن من يشعرون بفساد حالهم ، الممنوعين بشهواتهم عن الإقلاع عن سيّئاتهم ، المصمّمين على مداومة ذنوبهم ، فإنّ صدورهم تضيق عن تحمّل الموعظة ، وأسماعهم تصمّ لقبولها ، ولم يزل من شأن المنغمسين في الهوى تجهّم حلول من لا يشاركهم بينهم.