الله أصابهم بالعذاب عقوبة ، على تلك الفاحشة ، كما قال في سورة العنكبوت : [٣٤] : (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) وأنّهم لو أقلعوا عنها لترك عذابهم على الكفر إلى يوم آخر أو إلى اليوم الآخر.
[٨٥ ـ ٨٧] (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧))
تفسير صدر هذه الآية هو كتفسير نظيرها في قصّة ثمود ، سوى أنّ تجريد فعل (قالَ يا قَوْمِ) من الفاء ـ هنا ـ يترجّح أنّه للدّلالة على أنّ كلامه هذا ليس هو الذي فاتحهم به في ابتداء رسالته بل هو ممّا خاطبهم به بعد أن دعاهم مرارا ، وبعد أن آمن به من آمن منهم كما يأتي.
ومدين أمّة سمّيت باسم جدّها مدين بن إبراهيم الخليل عليهالسلام ، من زوجه الثّالثة التي تزوّجها في آخر عمره وهي سرية اسمها قطورا. وتزوّج مدين ابنة لوط عليهالسلام وولد له أبناء : هم (عيفة) و (عفر) و (حنوك) و (أبيداع) و (ألدعة) وقد أسكنهم إبراهيم عليهالسلام في ديارهم ، وسطا بين مسكن ابنه إسماعيل عليهالسلام ومسكن ابنه إسحاق عليهالسلام ، ومن ذرّيتهم تفرّعت بطون مدين ، وكانوا يعدّون نحو خمسة وعشرين ألفا ، ومواطنهم بين الحجاز وخليج العقبة بقرب ساحل البحر الأحمر ، وقاعدة بلادهم (وجّ) على البحر الأحمر وتنتهي أرضهم من الشّمال إلى حدود معان من بلاد الشّام ، وإلى نحو تبوك من الحجاز ، وتسمّى بلادهم (الأيكة). ويقال : إنّ الأيكة هي (تبوك) فعلى هذا هي من بلاد مدين ، وكانت بلادهم قرى وبوادي ، وكان شعيب عليهالسلام من القرية وهي (الأيكة) ، وقد تعرّبوا بمجاورة الأمم العربيّة وكانوا في مدّة شعيب عليهالسلام تحت ملوك مصر ، وقد اكتسبوا بمجاورة قبائل العرب ومخالطتهم لكونهم في طريق مصر ، عربيّة فأصبحوا في عداد العرب المستعربة ، مثل بني إسماعيل عليهالسلام ، وقد كان شاعر في