الجاهلية يعرف بأبي الهميسع هو من شعراء مدين وهو القائل :
إن تمنعي صوبك صوب المدمع |
|
يجري على الخدّ كضئب الثّعثع |
من طمحة صبيرها جحلنجع
ويقال : إنّ الخطّ العربي أوّل ما ظهر في مدين.
وشعيب عليهالسلام هو رسول لأهل مدين ، وهو من أنفسهم ، اسمه في العربيّة شعيب عليهالسلام واسمه في التّوراة : (يثرون) ويسمّى أيضا (رعوئيل) وهو ابن (نويلى أو نويب) بن (رعويل) بن (عيفا) بن (مدين). وكان موسى عليهالسلام لمّا خرج من مصر نزل بلاد مدين وزوّجه شعيب ابنته المسمّاة (صفوره) وأقام موسى عليهالسلام عنده عشر سنين أجيرا.
وقد خبط في نسب مدين ونسب شعيب عليهالسلام جمع عظيم من المفسّرين والمؤرّخين ، فما وجدت ممّا يخالف هذا فانبذه. وعدّ الصفدي شعيبا في العميان ، ولم أقف على ذلك في الكتب المعتمدة. وقد ابتدأ الدّعوة بالإيمان لأنّ به صلاح الاعتقاد والقلب ، وإزالة الزّيف من العقل.
وبيّنة شعيب عليهالسلام التي جاءت في كلامه : يجوز أن تكون أطلقت على الآية لمعجزة أظهرها لقومه عرفوها ولم يذكرها القرآن ، كما قال ذلك المفسّرون ، والأظهر عندي أن يكون المراد بالبيّنة حجّة أقامها على بطلان ما هم عليه من الشّرك وسوء الفعل ، وعجزوا عن مجادلته فيها ، فقامت عليهم الحجّة مثل المجادلة التي حكيت في سورة هود فتكون البيّنة أطلقت على ما يبيّن صدق الدّعوى ، لا على خصوص خارق العادة ، أو أن يكون أراد بالبيّنة ما أشار إليه بقوله : (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) أي يكون أنذرهم بعذاب يحلّ بهم إن لم يؤمنوا ، كما قال في الآية الأخرى (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الشعراء : ١٨٧] فيكون التّعبير بالماضي في قوله : (قَدْ جاءَتْكُمْ) مرادا به المستقبل القريب ، تنبيها على تحقيق وقوعه ، أو أن يكون عرض عليهم أن يظهر لهم آية ، أي معجزة ليؤمنوا ، فلم يسألوها وبادروا بالتّكذيب ، فيكون المعنى مثل ما حكاه الله تعالى عن موسى عليهالسلام : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها) [الأعراف : ١٠٥ ، ١٠٦] الآية ، فيكون معنى : (قَدْ جاءَتْكُمْ) قد أعدّت لأنّ تجيئكم إذا كنتم تؤمنون عند مجيئها.