وأنصفوا من أنفسهم ، فيكون الكلام ، إقرارا مشوبا بحسرة وندامة ، فالخبر مستعمل في معناه المجازي الصّريح ومعناه الكنائي ، والمعنى المجازي يجتمع مع الكناية باعتبار كونه مجازا صريحا.
وهذا القول يقولونه لغير مخاطب معيّن ، كشأن الكلام الذي يجري على اللّسان عند الشّدائد ، مثل الويل والثّبور ، فيكون الكلام مستعملا في معناه المجازي ، أو يقوله بعضهم لبعض ، بينهم ، على معنى التّوبيخ ، والتّوقيف على الخطأ ، وإنشاء النّدامة ، فيكون مستعملا في المعنى المجازي الصّريح ، والمعنى الكنائي ، على نحو ما قرّرته آنفا.
والتّوكيد بإنّ لتحقيق للنّفس أو للمخاطبين على الوجهين المتقدّمين أو يكون قولهم ذلك في أنفسهم ، أو بين جماعتهم ، جاريا مجرى التّعليل لنزول البأس بهم والاعتراف بأنّهم جديرون به ، ولذلك أطلقوا على الشّرك حينئذ الاسم المشعر بمذمّته الذي لم يكونوا يطلقونه على دينهم من قبل.
واسم كان هو : (أَنْ قالُوا) المفرغ له عمل كان ، و (دَعْواهُمْ) خبر (كان) مقدّم ، لقرينة عدم اتّصال كان بتاء التّأنيث ، ولو كان : (دعوى) هو اسمها لكان اتّصالها بتاء التّأنيث أحسن ، وللجري على نظائره في القرآن وكلام العرب في كلّ موضع جاء فيه المصدر المؤول من أن والفعل محصورا بعد كان ، نحو قوله تعالى : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) [الأعراف : ٨٢] (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) [آل عمران : ١٤٧] وغير ذلك ، وهو استعمال ملتزم ، غريب ، مطّرد في كلّ ما وقع فيه جزء الإسناد ذاتين أريد حصر تحقّق أحدهما في تحقّق الآخر لأنّهما لمّا اتّحدا في الماصدق ، واستويا في التّعريف كان المحصور أولى باعتبار التّقدّم الرّتبي ، ويتعيّن تأخيره في اللّفظ ، لأنّ المحصور لا يكون إلّا في آخر الجزأين ، ألا ترى إلى لزوم تأخير المبتدأ المحصور. واعلم أن كون أحد الجزأين محصورا دون الآخر في مثل هذا ، ممّا الجزءان فيه متحدا الماصدق ، إنّما هو منوط باعتبار المتكلّم أحدهما هو الأصل والآخر الفرع ، ففي مثل هذه الآية اعتبر قولهم هو المترقّب من السّامع للقصّة ابتداء ، واعتبر الدّعاء هو المترقّب ثانيا ، كأنّ السّامع يسأل : ما ذا قالوا لمّا جاءهم البأس ، فقيل له : كان قولهم : (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) دعاءهم ، فأفيد القول وزيد بأنّهم فرّطوا في الدّعاء ، وهذه نكتة دقيقة تنفعك في نظائر هذه الآية ، مثل قوله : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ) [الأعراف : ٨٢] ، على أنّه قد قيل : إنّه لاطّراد هذا الاعتبار مع المصدر المؤول من (أن)